ليبيا والأمم المتحدة.. صحوة ضمير أم تدوير زوايا؟
ميلاد عمر المزوغي
كاتب من ليبيا
في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الوضع في ليبيا، يخال الإنسان نفسه في سوق عكاظ، حيث يلقي كل ما تجود به قريحته، (في حالتنا أدواته الفتاكة)، ويذهب تاركاً للآخرين إبداء الرأي، غالبية المتحدثين يدينون ويستنكرون حالة الاقتتال بين الأطراف المتصارعة على السلطة التي طال أمدها، المؤسف حقاً أن يتحدث هؤلاء عن الوضع في ليبيا ويذرفون دموع التماسيح على من سقط من المدنيين مؤخراً، ويتناسون عن سبق إصرار وترصد أنهم، الدول العظمى، السبب الرئيس في كل ما يحدث من أعمال إجرامية بكل أصنافها من قتل وتهجير وتدمير.
ما ارتكبته العصابات الإجرامية، بعيد إعلان نتائج انتخابات 2014 من خلال عملية “فجر ليبيا” التي استهدفت العاصمة وجوارها، يفوق كل تصور، لكن هذه الدول حينها لم تنبس ببنت شفة، وكأنما الذين سقطوا وقتها ليسوا من صنف البشر، بل أفسحوا المجال للمجرمين لارتكاب المزيد من الإجرام، فقاموا بترحيل رعاياهم، فعن أي حقوق للإنسان يتحدثون؟!.
الحديث عن أن الجنوب الليبي مليء بـ “الدواعش” يوحي بأن الأمر وليد اللحظة، والحقيقة أن هؤلاء المجرمين دخلوا ضمن حملة الناتو على البلد عام 2011، وكانت إحدى أدواته لإسقاط النظام، ومن ثم تدمير البلد، فالعالم يدرك تماماً أن النظام السابق كان يحارب الإرهاب بدول الجوار، ولم تكن ليبيا يوماً ممراً أو مقراً “للدواعش”، الأمر لا يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد والعناء لمعرفة الأسباب التي جعلت الغرب ومن والاهم من العرب فعل ذلك، إنهم أرادوا إسقاط النظام وتدمير مقدرات البلد، وتنصيب أزلامهم الذين تربّوا في أحضانهم، وقد كان لهم ذلك، فالأمور تسير من سيىء إلى أسوأ في كافة مناحي الحياة، أما عن حقوق الإنسان فإنها لا تكاد توجد!.
الملفت للنظر أن المندوب السامي لدى ليبيا غسان سلامة الذي كان في غرفة الإنعاش على وشك أن تسحب منه الوصلات الحياتية، يبدو أنه أخذ جرعة منشطة فألقى سلسلة من التهديدات بحق المتقاتلين، وبأن المرتكبين “الجدد” لجرائم القتل سيقدمون إلى المحاكمة الدولية، لكنه لم يخبرنا عن مصير المجرمين السابقين، بعضهم لايزال يعمل في المجال نفسه، وأن تراخي المجتمع الدولي وغض طرفه عن أولئك هو الذي أدى إلى ظهور جيل جديد من المجرمين في أكبر عملية تفريخ، كما أنه سعى كعادته إلى بث الكثير من التطمينات للجمهور العريض “المتأذي” الذي فقد ثقته بالهيئة الأممية وكل مندوبيها، حيث اتضح أنهم يعملون لصالح أنفسهم وكتابة بضعة أسطر في سيرهم الذاتية، ولكنها للأسف بدماء الأبرياء التي ستظل تطوق أعناقهم مدى حياتهم، السيد سلامة يعتبر نفسه الحاكم الفعلي لليبيا، بينما هو للأسف مجرد بيدق جيء به كونه يتحدث لغة الضاد ليكون عيناً لأسياده الذين نصبوه لا عوناً للشعب في تجاوز أزماته المتفاقمة.
إن ما دار في مجلس الأمن لا يعبّر عن صحوة ضمير للدول الكبرى كما يعتقد البعض، فهؤلاء لا ضمير إنسانياً لهم، بل يتلذذون بمآسي الشعوب، وإنما هي عملية تدوير زوايا، تكتيك جديد، وارتقاء في الأسلوب، للإبقاء على عملاء الغرب وفي المقدمة مجلس الوصاية، والميليشيات التي تقاسمه المنفعة والمصالح المشتركة، فالوقت لم يحن بعد للتخلي عن هؤلاء، والى أن يحين ذاك الوقت، ما لم تحدث استفاقة شعبية ترمي بكل هؤلاء العملاء على قارعة الطريق، تظل حالة عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي هي السائدة، ويظل الأمل في التغيير نحو الأفضل لا يرقى إليه أي شك.