في رحاب التكريم
سلوى عباس
امرأة من شغف وحنين.. بحديثها تشعل سراج القلب، وبهمسها تنثر تباشير الفرح على الروح، وتنبت زهور الحب في بواديها، تنساب المفردات على صفحة روحها كما أغنية ترسم بحروفها حالات إنسانية بكل قلقها وارتياحها، حزنها وفرحها، أحلامها وانطلاقتها، ولأنها لا تحب أن تفرض نفسها على أحد كان الورق رفيقها تبوح له ما يختلج في داخلها من مشاعر وأفكار، فيأتي بوحاً ملوناً بأطياف الحلم بكل تجلياته.
على مدى تجربتها الإبداعية الطويلة طرحت نهلة السوسو الكثير من القضايا والإشكالات الحياتية، وقدمت لنا صوراً اجتماعية تعكس الواقع بكل جوانبه، ففي الأدب تتجسد شخصياتها كائنات من لحم ودم نابضة بالحياة، وقد ساعدها عملها في الإذاعة على معايشة الكثير من الحالات الإنسانية التي تعاملت مع قضاياها بصدق وواقعية، وقدمتها بأسلوب عفوي وحس أدبي متميز فأتت أعمالها تأكيدا للطاقات الإبداعية التي تتمتع بها المرأة.
أما الكتابة فتمثل لها الرئة التي تتنفس الحياة من خلالها، فهي لا تكتب من أجل الشهرة، بل من أجل التواصل مع الناس، وهي بالنسبة لها فعل حب بالدرجة الأولى، تؤمن بالكتابة حالة من حالات النضال، ونوعا من التعبير عن الصراع الداخلي، وإثبات الوجود، قد لا تستطيع أن تغير مجتمعاً بكتابتها، لكنها قد تستطيع أن تغير ما بداخلها وأعماقها، حتى تستطيع التفكير بتغيير المحيط.
تتميز كتابتها بالإدهاش والتشويق اللذان يمنحان النبض والتجدد لنصوصها، مع أنها لا تسعى إلى ذلك بشكل مباشر بل إنها تكتب ذاتها، نهلة السوسو كما هي، وتحافظ على خصوصيتها حتى عندما تكتب في الشأن العام، تشرك المتلقي في إبداعها، وتتركه أحياناً يضع النهايات، لإيمانها أنه بدون المتلقي نصها لا يكتمل، فهناك دائما الكاتب والمتلقي والنص المشترك بينهما، حتى لو لم يتقاطعا في قراءتهما.
في كتابتها مساحة من الحزن ربما يكون سببها اللغة الشعرية التي تضفي عليها هذا الطابع، ومع ذلك أيضا هناك مساحة من التفاؤل نقرؤها في هذا الإبداع، تدرك أن على الكاتب أن يجمّل أحيانا، وأن يظهر القبح في أحيان أخرى، ومسؤوليتها أن تكشف عنها التراب والغطاء المستور لتنجز مادة أدبية لها أسلوبها المختلف، والرؤية العميقة والبعيدة.
منذ أيام كرمت وزارتا الثقافة والإعلام الأديبة نهلة السوسو ، هذا التكريم الذي يؤكد أن المبدعين السوريين يحملون طموحاً بحجم الوطن، وعليهم الرهان للنهوض به من محنته، والارتقاء بالحياة، إذا اعترانا يأس أو انكسار، لأن الوطن إنما ينهض بشرفائه ومبدعيه، ويحسب لمديرية ثقافة دمشق والمركز الثقافي في كفر سوسة هذا التكريم الذي يأخذ أبعاداً مختلفة لا تقتصر على البعد الإبداعي فقط بل يتجلّى فيه البعد الوطني والإنساني. فالتكريم حق لكل مبدع، لكن الجميل في هذا التكريم أنه تأكيد على أن الوطن يفخر بأبنائه، ومهما اشتدت الأزمات هم باقون في الوجدان، وكلمة حق علينا أن نقولها: إن أجمل تكريم للمواطن السوري هو انتماؤه لسورية، ولعله تكريم أهم توفر منبر نستطيع من خلاله أن نرد للوطن بعضاً من عطاءاته ولو عبر الصوت او الكلمة وهذا أضعف الإيمان.
نهلة السوسو.. ياغيمة من سمرة الوطن الجميل.. كل عام وأنت المحبة تنثرين عبقك على أرواحنا.. دمت بكل الألق والبهاء.. وكل عام وأنت فراشة الضوء وسيدة الصباحات والحبق.