يوميات التصحيح
صحيح أن لغتنا وضعت (كان) في خانة الماضي الناقص، إلا أن يومياتنا التي نعيشها منحتها صفة الديمومة التامة على ألسنتنا الناطقة بالهموم، والمشغولة بالمفاضلة بين أيام زمان، وتحديداً الفترة التي ترصد ما قبل عام 2011، والحاضر الممتد منذ ثماني سنوات إلى الآن، فقد سكن هذا الفعل في أذهاننا، وأصبح الأكثر استخداماً في معجم الحياة المعيشية، ويمكن اعتباره ممراً آمناً للهروب من الحاضر البشع إلى الماضي الجميل، حيث تمنحنا ذكرياته بعض القوة للصمود في وجه المتغيرات، كما أننا جميعاً ودون استثناء نستعين به في مواقف لا تعد ولا تحصى، ونتلذذ بطعم الأيام الحلوة التي نوثقها بأسماء وأخبار تميز بلدنا عن غيره من البلدان، فهو (بلد الفقير)، و(بلد الأمن والأمان).. وو.
وطبعاً كي لا نغرق في الماضي الذي تنكر له البعض، وهم في حالة متقدمة من الجنوح والهذيان الفكري والغيبوبة الغريزية الجانحة نحو الإلحاد بالواقع، وتشويه الحقائق الواضحة وضوح الشمس، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن إنجازات التصحيح التي من الصعب حصرها في نقاش أو في جلسة واحدة، والتي مازلنا نعيش في نعيمها الذي استهدفته المجموعات الإرهابية بجحيم إجرامها، وتدميرها لبناه التحتية ومنشآته وصروحه المختلفة في شتى المجالات، سنحاول إعادة الكثير من المتناسين لتلك الحقائق إلى الواقع، وإفشال مخططهم لتسجيل العديد من النقاط لصالحهم في سجل الأخطاء، أو بالأصح الفساد الذي لا نخاف من الاعتراف بأن محاربته إلى الآن تتم بعقلية “دونكوشوتية”، ولكن ذلك لا يمنحهم فرصة الهروب من الاعتراف أيضاً بأن سورية قبل التصحيح، وقبل جنون حريتهم، كانت بلد الفقير، ومازالت المعيشة فيها بكل أوجهها الصحية والتعليمية أفضل من دول الجوار، رغم كل ما يحصل، وأنها كانت ومازالت دولة المؤسسات، وكانت وكانت وكانت!.
والحقيقة التي لا يمكن لأحد تجاهلها أنه رغم الحرب الكونية على سورية مازال الاقتصاد السوري متوازناً وقوياً، ويفي بالتزاماته تجاه أبناء الوطن، ولاتزال الحكومة تصرف كتلة رواتب الموظفين، إضافة إلى تقديمها الخدمات الأساسية كالتعليم، والتربية، والعلاج مجاناً، بالرغم من أن المجموعات الإرهابية المسلحة عملت بشكل ممنهج على استهداف البنى التحتية لمختلف القطاعات، فقد استهدفت آبار النفط، وخطوط نقل المشتقات النفطية التي تؤمن الحكومة من خلالها متطلبات حوامل الطاقة، والمشتقات النفطية للمواطنين، إضافة إلى تخريب مؤسسات القطاعات الخدمية من شبكات كهرباء، واتصالات، ومشاف، ومراكز صحية لتقويض وتخريب مكونات الدولة، وخلق فجوة بين متطلبات الشعب، وقدرة الحكومة على تلبيتها، بالإضافة إلى تحصين القطاعات المالية والمصرفية بسلسلة من الإجراءات الرادعة التي ضربت يد المضاربين والمتاجرين باقتصاد الوطن، وحافظت على الليرة السورية متماسكة قوية حتى الآن رغم تذبذب سوق الصرف، وحرصت على تأمين مخزون جيد من القطع الأجنبي يؤمن مستلزمات الحياة الأساسية، وحوامل الطاقة، وصمود قواتنا المسلحة الباسلة في تصديها للمجموعات الإرهابية المسلحة.
واليوم مع المحاولات المستمرة لتدمير سورية وتخريبها وزرع الفوضى والضعف فيها، نحن بحاجة أكثر من أي وقت لتصحيح جديد يعيد إعمار بلدنا على أسس مؤسساتية، وطبعاً الانتصارات التي تتحقق على الأرض، ونتائج الحراك الدولي التي ترسم طريقاً واضحاً لحل الأزمة، حسب ما يريده الشعب السوري، تشكّل دليلاً واضحاً على أن روح التصحيح مازالت نابضة بالحياة، وستعود أيام التصحيح، وسيكون الإعمار.
بشير فرزان