التصادم على وقع النظام الجديد
سيعيد صعود منطقة المحيط الهادي الهندي، وأوراسيا، والقطب الشمالي ونهوض آسيا ككل صياغة الخريطة المادية والفكرية للعالم، وهذا مرده إلى انتشار العلاقات والتدفقات الجديدة للتمويل والتجارة والتكنولوجيا والمعلومات والطاقة والعمالة، ما أدى إلى إنشاء ثلاث مناطق جغرافية استراتيجية جديدة تنفلت من ظلال الترتيبات عبر الأطلسي، وهي تمثل في الأساس تصادم البنى السياسية السابقة، وتتطلب إدارتها أفكاراً جديدة ومؤسسات ذكية وشراكات مرنة.
الصدام الأول، الذي يجري فعلياً، هو اتحاد المحيطين الهندي والهادئ، أو ما يُعرَّف كما هو شائع على أنه المحيط الهندي الهادئ ، وهو بناء شُجع بنهوض الصين، ولهذا تعتبر منطقة آسيا البحرية الآن أكبر من الولايات المتحدة وآسيان، أما الثاني فهو اندماج أوروبا وآسيا في نظام استراتيجي واحد متماسك، “أوراسيا”. هذه فكرة قديمة متجذّرة في التاريخ، لكنها الآن تحتوي على مفردات جديدة، وهنا شبح الصين يلوح في أفق أوروبا بشكل كبير. مقابل ذلك، تبدي موسكو حماسة جديدة لاستعادة مكانتها باعتبارها اللاعب الأوراسي العريق، وأخيراً هناك المنطقة القطبية الشمالية. هذه الجغرافيا التي ولدت كنتيجة غير مقصودة للتغيّر المناخي، سَتدمج لأول مرة في سياسة المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ ، حتى وإن كانت تحفز حدوث صدام بين الترتيبات الموجودة في هذه المناطق.
سيشكل تصادم هذه المناطق الجغرافية الثلاث النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين، ومع ذلك فإن هذه العملية لا تتشابه مع أية مقارنات تاريخية، فقد نشأ نظام ما بعد الحرب إثر هزة كارثية ومفجعة في السياسة العالمية، وصراعات مدمرة وواسعة النطاق.
اليوم، من المرجح أن يكون هذا التغيير تدريجياً ومتشابكاً ومتصاعداً، ولن تكون هناك لحظة واحدة محددة لنشأة النظام الجديد. بدلاً من ذلك، ستعمل السياسة العالمية في 50 درجة من اللون الرمادي في المستقبل المنظور، وعندما تكتشف هذه المناطق الجغرافية نفسها، سيكون هناك خمسة اتجاهات جديرة بالاهتمام هي: خطر حروب باردة منفصلة عبر المناطق الجغرافية، وظهور المزيد من “تحالفات الملاءمة” عبر هذه المناطق الجغرافية، وإمكانية إجراء حوارات مؤسسية جديدة، كما سيختبر انفتاح القطب الشمالي قدرة القوى على توفير الأمن كسلعة عامة في أجزاء أخرى من العالم، وأخيراً، فإن هذه الهياكل ستتطور أيضاً استجابة للمتغيرات.
من الواضح أن المؤسسات الدولية القائمة لا تستجيب بالكامل لاحتياجات البلدان النامية والقوى الإقليمية الناشئة، فأي هذه المؤسسات سيكون، عندئذ، حاسماً في هذه المناطق الجغرافية؟ في القرن العشرين، كان ينظر إلى المؤسسات متعددة الأطراف على أنها مخففة من الصراعات، وعلى أنها تشكل نوعاً من إدارتها. الآن قد تنقلب هذه الحكمة التقليدية رأساً على عقب، وبالنظر إلى مراكز القوة المتنافسة ستقوم، لأول مرة منذ معاهدة ويستفاليا، بإنشاء ترتيبات مؤسسية خاصة بها لممارسة النفوذ. قد تكون منظمة مثل منظمة شنغهاي للتعاون، بصفتها حامية الاستقرار الأوراسي، بديلاً عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو منظمة حلف شمال الأطلسي، التي لعبت حتى الآن هذا الدور.
عناية ناصر