ثقافةصحيفة البعث

“مقاربات نقدية في الشعر والرواية” استنباطات إياد مرشد

المقاربة تعني مماثلة شيء آخر من طبيعته، وهذا ما أوجده الكاتب إياد مرشد في مقارباته النقدية بين نزار قباني وعبد الكريم الناعم ويوسف المسمار وهاني الراهب، في كتابه “مقاربات نقدية في الشعر والرواية” الصادر عن دار سين للثقافة والنشر والإعلام. فحلّل شكل القصيدة ومضمونها وفنية السرد ولعبة الروائي بالتلاعب بالأزمنة، معتمداً على دراسات بعض الكتاب ولاسيما في فصل الرواية، إضافة إلى استنتاجاته الخاصة من صفحاتها، وهذا الانتقاء والاصطفاء بين الشخصيات الأربع يثير سؤالنا: ما القاسم المشترك بين مقارباته؟ لنجد أن ثمة خيطاً يربط بينها وهو الانتماء والالتزام الوطني والقومي. 

الجد والحفيد

البعد الإنساني في مجموعة “لأقمار الوقت” للشاعر عبد الكريم الناعم التي استمدها من وحي أهوال الحرب التي شهدتها حمص مدينة الشاعر، كانت نقطة البدء للكاتب إياد مرشد، إذ رأى أن الشاعر تابع الأحداث بإحساس كبير، فصوّر أحوال السوريين إزاء ما فعله محترفو الإرهاب، فرصد بقصائده أحداث القصف والخطف والقنص، ففي قصيدة “مصرع بائع اللبن” تناول قصة رجل سبعيني يبيع القهوة في دكانه ويعاني قصوراً في السمع، يُستهدف بنيران الإرهاب حينما يذهب ليحضر حفيده من المدرسة فيحميه بجسده ويسقط مضرجاً بدمائه: كان عائداً بآخر الأحفاد/ من دروسه/ رصاصتان أزّتا في صدره/ فمال يحضن الصغير..

ويرى مرشد أن هذه القصيدة محمّلة بالرموز والدلالات، فالرجل بالسبعين برفقة حفيده وهذا لم يشفع له، إذ صوّب الإرهابيون النار نحو الصغير فاضطر لافتداء حفيده، فهم لا يمتلكون أيّة روادع دينية أو أخلاقية تمنعهم من التلذّذ بممارسة القتل.

أما قصيدة “سيدة الدلب” فتصوّر تشييع الشهداء الذي أصبح عادة يومية، ويصف حالة الأم التي لم تجزعها رهبة الموت والفقد، بل ملأت قلبها بروح الإصرار والتحدي والاستمرار لأن المعركة مستمرة: وعصر كل يوم/ يشيّعون واحداً، أو ثلة/ يواكب الرصاص خطوهم/ كأنهم يخشون أن يطيب/ للنجيع فصل النوم/ سيدة في “الدلب..

وجاءت قصيدة الخاتمة في قمة النبل الإنساني، حيث يخاطب ذوي الشهداء بطريقة ملفتة، وهو كما ذكر مرشد لا يقدم لهم العزاء المعتاد، ولا يخاطبهم بألفاظ مكررة تقال في هذه الحالات الإنسانية من مواساة بالمصاب، إذ يبارك لهم ما فعله أبناؤهم من بطولة وتضحية: إن كان يشكو بعض أهليكم/ مع الغياب فقدا/ فلينظروا فيما أفاء الله.. 

استمرار ألف ليلة وليلة

ومن الشعر إلى الرواية تابع مرشد مقاربته من دراسة الزمن الروائي في رواية “ألف ليلة وليلتان” للكاتب هاني الراهب، ورأى أنها أنموذج للرواية العربية السورية التي استفادت من التقنيات الحديثة في الرواية الفرنسية والإنكليزية ومن بينها الزمن، فاستفاد الراهب من التقنيات الغربية الحديثة ومن ثم طوعها وصاغها من جديد. وبدأ من دراسة العنوان الذي يشير إلى حرب حزيران عبر اختراقها الحلم العربي وتحطيمها الأمل الذي كنّا نحيا عليه ووضعتنا أمام زمن جديد، ويوضح بأن اختيار الراهب العنوان يدلّ على رغبته بنقد المجتمع الذي يراه استمراراً لعالم ألف ليلة وليلة. 

انتقالات الأزمنة

وينتقل الكاتب إلى تحليل الأزمنة، إذ مثل الحاضر في الرواية الزمن الرئيسي لأنه زمن الحياة اليومية، فالحاضر كان قبل الهزيمة تعبيراً عن رفض الواقع ورغبة في إحلال علاقات جديدة تقضي على حالة العطالة التي نعيشها، والمستقبل يحمل تفاؤلاً حذراً، فيكثر من استخدام الفعل المضارع رغبة من الكاتب بأن الحاضر استمرار للماضي، ويسعى إلى منح الرواية امتداداً عالمياً برصد التطورات السياسية التي لها تأثير على منطقتنا العربية، مثل “حرب فيتنام- انقلاب اليونان- أحاديث الرئيس جونسون”، وفي الوقت ذاته يعطي المشهد امتداداً في الحاضر عبْر استخدام أخبار المذياع وعناوين الصحف والتعليقات السياسية، ويستنتج مرشد أن رواية هاني الراهب ليست من نوع روايات تيار الوعي، وإنما هي من نوع الروايات الجديدة التي تعتمد على السرد التوالدي والتزامني.

 تطلعات وشخصيات

وتوقف مرشد عند الشخصيات، إذ يوجد أكثر من خمس عشرة شخصية أساسية عدا الشخصيات الثانوية، وتمثّل الطبقات الاجتماعية التي تعبّر عن تطلعاتها. أما عن تقنيات الكتابة فلا ملمح للاستباق ولجأ إلى الاسترجاع الخارجي لتوضيح خلفية الشخصية. وعن طبيعة الزمن الروائي، فهو ينقسم إلى الزمن النفسي والزمن الطبيعي من الجانب التاريخي والكوني، واستنتج مرشد بدراسة سرعة الزمن وبطئه بأن الكاتب لجأ إلى التلخيص بتصوير الشخصيات وبمواقف الدول العظمى، وفسّر حضور المشهد بالرواية وعلاقة الزمن بالشخصيات والمكان.

 من بيروت إلى البرازيل

وعاد مرشد إلى الشعر المهجري بدراسة الانتماء القومي عند يوسف المسمار، فبدأ بالتعريف به منذ أن خرج في ستينيات القرن الماضي من لبنان مطلوباً من السلطات ليصل إلى ولاية كورتيبا البرازيلية، وهو شاعر قيم وأخلاق والتزام يمارس الانتماء عقيدة وأملاً، فقدّم مرشد لمحة تفصيلية عن حياته ومؤلفاته، ومجموعاته الشعرية، منها “قصائد مضيئة” وقد خصّ لبنان والقدس في شعره: صاحت بنا القدس ما للأهل قد ذهلوا/ واستعذبوا العيش بالإذلال وابتذلوا..

ورافق شعره هموم بغداد ومواجهتها الغزو الأمريكي: بغداد، بغداد أم المجد ما خضعت/ بالقهر يوماً لشذاذ من اللمم..

مغامرة نزار قباني

ويصل مرشد إلى العلاقة بين الشكل والمضمون في قصيدة نزار قباني، حيث ركز على أن قباني شكّل ظاهرة مميزة في الشعر العربي، فقد حاول التجديد في شكل القصيدة، كما حاول المغامرة في موضوعاته الشعرية التي لم تقتصر على الغزل، بل اتخذ من الشعر السياسي منبراً لرفض الواقع العربي والثورة على عوامل الضعف والتخلف، كما في قصيدة “راشيل شوار زنبرغ”: وجاء أغراب مع الغياب/ من شرق أوروبا/ ومن غياهب السجون فأتلفوا الثمار/ وكسروا الغصون.. وأشعلوا النيران في بيادر النجوم”. 

ملده شويكاني