الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

صوت الحلم

سلوى عباس
احتفل العالم منذ أيام بعيد ميلاد فيروز هذه السيدة التي تناغي صباحاتنا فتوقظنا مثل نسمة.. تنده إلينا بصوتها الحريري الوادع فنصحو، يتدفق كلامها غديراً من الوداد.. نشيداً يملأ ملكوتنا جليل الوقع غامر الدفء.. يسري برقته على أرواحنا بريقاً يضيء سجايانا، يأتينا صوتها كما الشمس تحيي عشبة داهمها صقيع الليل يسري يخضورها الدافئ إلينا نغمات تناغي مسمعنا.. تغني أسرارنا، تغمرنا بموسيقا أغانيها وتمنحنا طاقة من حب نستعين بها على لهاثنا اليومي..
فيروز.. هذا الصوت الذي شكّل قاسماً مشتركا للذائقة الفنية العربية والعالمية، وأصبح بريداً أخضر يخترق حتى خصوصياتنا، ففي صفحاتنا الزرقاء هي مفتاح يعتمده كثيرون في التواصل مع أصدقائهم على الصفحة.. يكسرون جليد الشاشة البارد بأغنية فيروزية يذيلونها بعبارة “صباحكم فيروزي”، وهم على يقين أن طلبهم إذا لم يستجب فهم على الأقل سيكونون زواراً دمثين فتحيتهم فيروزية، هذه التحية التي لا يغضب أحد منها.. وهنا تحضرني حالة صادفتني في زمن ليس ببعيد عندما تصدّر رسم للسيدة فيروز على شاشة إحدى القنوات المخصصة للأطفال وعرّفوا عنها بعبارة “مطربة لبنانية”، فكانت الدهشة والاستغراب ردة الفعل الأولى للطفلة التي لم يكن عمرها حينها قد تجاوز الثماني سنوات وسألتني: “فيروز لبنانية” أجبتها نعم، وماذا كنت تظنين؟ قالت: كنت أظنها “من عندنا”، فسألتها: “ماذا يعني من عندنا” أجابتني والدهشة مازالت بادية على محياها “يعني سورّية”، فعاودت سؤالي ولماذا ظننتها “سوريّة”؟ فردت لأن السوريين كلهم يستمعون إليها، فقلت لها ولا أدري إن كانت حينها قد أدركت معنى كلامي أن فيروز مطربة عربية عالمية يتفق العالم كله على أنها سيدة الحضور والأوقات الجميلة، فتابعت الطفلة سؤالها لي “ومن هي المطربة السورية” فوقفت حائرة ماذا أجيبها: فنحن كجيل عاصرنا الكثير من أغاني ما يسمى “الزمن الجميل”، والآن نفتقد لتراثنا الفني الذي غيّبه “فن هذه الأيام”، فكيف بجيل هذه الطفلة الذي ربما لن يسمع بشيء مما يندرج تحت مسمى “الفن السوري الأصيل”، كيف لي أن أحدّثها عن رواد الأغنية السورية الذين أعطوها هويتها من حيث اللحن والأداء، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا عن الأجيال الحالية التي وقعت فريسة ما يطرح لها من فن لا يحمل أي هوية، كيف لنا أن نربطهم بتراثهم السوري لمطربين يقدمون فناً حقيقياً، دون أن نتركهم يظنون في قادم الأيام أن ما يسمعونه من فن اليوم ستتشكل ذاكرتهم عنه كـ “فن جميل”. فهل لنا أن نولي اهتماماً أكبر للأجيال كلها ونردم الهوة التي قد تخلق بين الأجيال القديمة والجديدة وهل يعمل القائمون على البرامج التلفزيونية والإذاعية على تقديم اللون الموسيقي والغنائي السليم ليكون إرثاً للأبناء والأحفاد، حتى لا يموت التراث الفني والأغاني القديمة، خاصة وأن تراثنا يزخر بالكثير من الإبداعات الاستثنائية لفنانين سوريين أغنوا ذاكرتنا بإبداعاتهم الجميلة، فكما احتلت فيروز والرحابنة جزءاً هاماً من حياتنا وذاكرتنا، من حق هؤلاء المبدعين أن نستحضر تاريخهم الفني بكل بهائه وألقه، ليكونوا أيضاً ذاكرة من حنين نركن إليها في غابر أيامنا.