أسئلة “آستانا” المتعددة والعاجلة
في الجوهر، ليس أمام اجتماع مسار “آستانا”، الذي ستنطلق جولته الجديدة غداً، أهم من سؤال “كيماوي حلب”، وفي الجوهر أيضاً، فإن إجابة هذا السؤال ليست مطلوبة من أحد سوى تركيا حصراً، والتي هي، للمفارقة، أحد ضامني هذا المسار، لذلك يُفترض بإجابتها أن تكون محدّدة ومفصّلة تتجاوز تحديد “مَن” فعل، إلى تفسير “كيف” و”مِن أين” و”لماذا”؟.
فعلى أهمية الإجابة عن سؤال “مَن” هي الجهة التي استخدمت “الكيماوي” من فصائلها الإرهابية في الشمال السوري، وهي شبه معروفة، هناك أسئلة أهم من ذلك، مثل “مِن أين” حصل هذا الفصيل على المواد الكيماوية؟، و”كيف” وصلت إليه، وعبر أي معبر في منطقة من المفترض أن لا “نملة” تتحرّك فيها إلا بعلم المخابرات التركية؟، ثم “لماذا” تجاهلت أنقرة تقارير وتحذيرات موثّقة من الطرف الثاني في اتفاق سوتشي، وهو روسيا، تؤكّد امتلاك هذه المجموعات أسلحة كيماوية؟ ولأنه، في الحقيقة، تجاهل مثير للريبة، فإنه يستولد بدوره سؤالاً جديداً بصيغة “هل” زوّدت أنقرة بنفسها هذه المجموعات بالكيماوي، أم أنها اكتفت بإغماض عينيها وقبض الثمن، كما اعتادت منذ بدء الأزمة السورية، عن قيام مخابرات فرنسية أو بريطانية أو أمريكية أو خليجية، أو كلها مجتمعة، بالتزويد والتمويل؟!!.
وبالطبع لا تنفك الأسئلة عن التناسل، فبعد جريمة الكيماوي الجديدة، تأتي أسئلة أخرى، مثل، أين موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوق الانسان مما جرى – طبعاً لا أحد يسأل أو يهتم بموقف جامعة الدول العربية – أو أين صدمة “ترامب” و”ماي” و”ميركل” و”ترودو” بهذه الجريمة النكراء، وهنا يُستثنى “ماكرون” من الشعور بالصدمة لثلاثة أسباب، أولها، عدم يقينه “من المعلومات الواردة من حلب”، وثانيها، استمرار وقوعه تحت الصدمة وشعوره “بالعار” من الشعب الفرنسي لـ “تظاهراته المهينة والمخجلة” التي “خرّبت المرافق العامة” كما وصفها، وثالثها، أن الشكوك الجدّية بهوية الجهة التي زوّدت الإرهابيين بالسلاح الكيماوي تدور حول “خبراء” يتبعون لمخابرات بلده ذاتها.
واستطراداً فإن تلك الأسئلة تستوجب سؤالاً آخر، وهو موجّه لتركيا أيضاً، ومضمونه لماذا لم تنفّذ أنقرة الالتزامات المترتبة عليها في المدة الزمنية التي حدّدها “اتفاق سوتشي” حتى الآن؟، هل يعود ذلك لأسباب تتعلّق بعدم القدرة، أم لأسباب تنحصر بعدم الرغبة في التنفيذ، وهذا أمر أخطر لأنه يؤكّد ما يتردد عن مطامع واضحة في استعادة قصة لواء اسكندرون في إدلب وشمال سورية؟!!.
ومع ذلك كله فإن سؤال الكيماوي على أهميته لن يكون وحيداً في “آستانا”، فهناك أيضاً سؤال “اللجنة الدستورية” العتيدة والحل السياسي برمته، في ظل استشراس دولي واضح للسيطرة على مخرجات العملية السياسية المقبلة عبر السيطرة على تشكيلة اللجنة الدستورية، كما عبر قضية المهجّرين السوريين – وهي السؤال الثالث – الذين “لن تحصل عودتهم لأن المجتمع الدولي برمته ضد هذه العودة في الوقت الحاضر” كما صارح وزير خارجية الفاتيكان نواباً لبنانيين بحسب تسريبات لبنانية أيضاً.
والحال فإن أسئلة “آستانا” متعدّدة ومتشابكة وتتجاوز هذا الاجتماع ودوله لتشمل دولاً أخرى ليست بعيدة عن المأساة السورية، فبين ثلاثية الكيماوي واللجنة الدستورية والمهجّرين خيط واضح، يتمثّل بكونها، إضافة إلى إعادة الإعمار، أوراقاً تعويضية عن ورقة الميدان التي خسرتها هذه الدول في أغلب مناطق سورية – آخرها في “تلول الصفا” – لكنها مازالت متمسّكة بها في أماكن محدّدة مثل إدلب وشمال سورية وشرقها، ولو تحت عنوانين تركي وأمريكي يستخدمان أوهام أدوات محلية لدوام سيطرتهما، وهي “أدوات” تستظل اليوم بالجندرمة التركية في مكان، وبحاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان”، التي تتقدّم باتجاه سواحلنا، في مكان آخر، لكنها، كما غيرها من الأدوات، ستُرمى يوماً ما، سواء من مشغليها حينما تنتهي مهمتها، أو بأيدي أبناء البلاد الشرفاء، وهو يوم لم يعد ببعيد.
أحمد حسن