رأيصحيفة البعث

تشويش فوق العادة؟!!

 

لم يسبق أن حظي بيان الموازنة العامة للدولة، بما حظي به إعلان موازنة 2019 من تحليل ومحللين، تصدّوا لمهمة بدت بالفعل شاقّة لبعضهم، في سياق المفارقة الصارخة بين العمق المطلوب وسطحيّة التناول، فكانت النتيجة كمن ينتقد لون ربطة عنق أو تسريحة شعر أكاديمي مخضرم يعلن فتحاً علمياً جديداً؟!.
والواقع أن طريقة التعاطي الجديدة مع مثل هذا الملف التقليدي السنوي، كانت أقرب إلى التصيّد منها إلى التحليل الموضوعي، فيها ما فيها من مقاربات “فانتازيّة” من شأنها خلط الأوراق وتشويش الرؤية في المضمار الشعبي، حيث لم يعد ينقص السواد الأعظم من قوام هذا الشعب الصامد، ضروب كآبة وضخ سلبي إضافي، بما أن مكنات الإعلام “الملغوم” الموجّه نحونا، قد أشبعتنا دعاية سوداء وتابلوهات مشوّهة عن الواقع السوري!.
ورغم أن مناقشة موضوع استراتيجي عام هو موازنة دولة بأكملها، وليس مجرّد جردة حساب شركة عائليّة، من اختصاص مؤسستين حصريتين، الأولى تنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء والثانية تشريعية اسمها مجلس الشعب، إلّا أن الطرح بات شعبياً أكثر من اللازم، وهذا أكثر ما يريب في الأمر.
بعضهم ترجم رقم الموازنة الكلّي إلى دولار و”التهم” الزيادة الحاصلة التي قاربت 700 مليار ليرة، وآخرون ارتأوا الضرب على وتر الرواتب والأجور، وأجروا عمليات حسابية على حصّة الموظف من أية زيادة يمكن أن تبشّر بها، فكان الرقم استفزازياً من شأنه أن ينتقص من قدر الموظف وهيبة الدولة على حدٍ سواء!.
والحقيقة أن زيادة الرواتب ليست بنداً مقيماً في قوام أية موازنة عامة لدولة، ولا يجوز أن تكون لأنها تُدرج مباشرة في شق الإنفاق الجاري في حال إقرارها، وتكون مهمة الحكومة إيجاد التمويل اللازم لها، إما من خلال توخّي وفورات في سياق الموازنة ذاتها، أو عبر خيار التمويل بالعجز وسك نقود جديدة، وهذا ما حصل بالنسبة للزيادات السابقة، لكنه خيار بات بغيضاً اليوم لأنه عبارة عن استدانة مباشرة من المستقبل، أي من حصص الأجيال القادمة.
من هنا يبدو علينا “العد للعشرة” قبل الإنصات إلى  “مذيعي نعوات الزيادة” الذين حسموا وقسّموا وطرحوا وخرجوا بما خرجوا به من قراءات مشوّهة للواقع والوقائع، فالموازنة العامة للدولة ليست معياراً مثقلاً لأي احتمال بحصول زيادة رواتب العاملين في الدولة أو عدم حصولها.
على العموم سيرة زيادة الرواتب تبدو جاذبة، حتى في ظروف الرخاء فكيف اليوم في ظل المصاعب التي تعتري بلد كبلدنا خارج للتو أو على بوابات الخروج من حرب ضروس مع الإرهاب. وقد يكون من المفيد هنا الدفع بفكرة جديدة بصدد الزيادة ذاتها، وبالتحديد في شأن التمويل الذي يبدو هو المعضلة الصعبة فعلاً، فلا وفورات حقيقية يمكن الركون إليها لتحقيق زيادة مجزية للعاملين في الدولة، ولا التمويل بالعجز خيار اقتصادي مقنع، لأن رقم الدّين الداخلي – بعد سلسلة تمويلات سابقة-  بات كبيراً ومرهقاً لاقتصاد كاقتصادنا.
لذا يبقى أمامنا الخيار الثالث، وهو زج قطاع الأعمال في خضم الحل، بما أن مؤسسات الدولة وموظفيها تعمل في خدمة “أعمال” رجال الأعمال، ويمكن أن يكون ذلك عبر فرض رسوم جديدة في مطارح منتقاة – وهي كثيرة – وستكون الحصيلة مقبولة بكل تأكيد تغطّي جزءاً غير قليل من عبء الزيادة.. وهذا غير بعيد عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال، التي باتت مثار جدل حالياً، بما يضاهي الجدل حول زيادة الرواتب.
ناظم عيد