“أستانا 11”: رفض الأجندات الانفصالية ومحاولات إنشاء حقائق جديدة على الأرض الجعفري: إذا لم يُنفّذ اتفاق إدلب بالسياسة فسوف ينفّذ بأساليب أخرى
اختتمت الجولة الحادية عشرة لاجتماع أستانا بالتأكيد على رفض جميع المحاولات لإنشاء حقائق جديدة على الأرض في سورية بذريعة محاربة الإرهاب فيها، ورفض الأجندات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة ووحدة الأراضي السورية، وعلى أنه من غير الممكن التوصل إلى حل للأزمة في سورية إلا عبر عملية تسوية سياسية يقودها السوريون بالتماشي مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وفيما أكد رئيس وفد الجمهورية العربية السورية إلى اجتماعات أستانا، الدكتور بشار الجعفري، أن النظام التركي لم يحترم التزاماته بموجب اتفاق سوتشي حول إدلب، الأمر الذي شجّع الإرهابيين فيها على مواصلة استهداف المدنيين في محافظات حلب وحماة واللاذقية، مشدداً على أنه إذا لم ينفذ الاتفاق بالسياسة فإنه سينفذ بأساليب أخرى، أكد مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ورئيس الوفد الروسي إلى الاجتماعات، الكسندر لافرنتييف، أنه يوجد في محافظة إدلب نحو 15 ألف إرهابي من تنظيم “جبهة النصرة”، مشدّداً على أن مكافحة الإرهاب في سورية ستستمر حتى القضاء على التنظيمات الإرهابية بشكل كامل.
وفي التفاصيل، أكد رئيس وفد الجمهورية العربية السورية إلى اجتماعات أستانا، الدكتور بشار الجعفري، خلال مؤتمر صحفي في ختام الجولة الحادية عشرة من اجتماعات أستانا، أن صيغة البيان الختامي الذي صدر في ختام الاجتماع متوازنة، وتعكس تعقيدات المشهد السياسي، موضحاً أنه جرت خلال اليومين الماضيين مناقشة الكثير من النقاط المهمة، وكان التركيز منصبّاً بشكل رئيسي بالنسبة لنا ولوفود أخرى، وخاصة الضامنين الروسي والإيراني والجانب الكازاخي أيضاً، على مسألة تدهور الأوضاع في إدلب، وعدم احترام الجانب التركي لالتزاماته بموجب اتفاق سوتشي الموقّع في السابع عشر من أيلول الماضي.
وأضاف: إن عدم احترام النظام التركي لالتزاماته انعكس بشكل سلبي على المدنيين السوريين الأبرياء، حيث خرقت المجموعات الإرهابية الموجودة في إدلب اتفاق منطقة تخفيف التوتر خلال الشهرين الماضيين 333 مرة عبر استهدافها المدنيين في محافظات حلب واللاذقية وحماة، لافتاً إلى أنه بعد اجتماع أستانا الرابع قبل عام، تمّ الاتفاق على إنشاء منطقة تخفيف التصعيد في إدلب، وكان الاتفاق ينصّ على أن الجانب التركي هو الضامن للمجموعات الإرهابية في إدلب، لكن ذلك لم يحدث.
وبيّن الجعفري أنه يضاف إلى ذلك واقع آخر يعكس حالة فقدان الثقة والاطمئنان بعدم التزام النظام التركي حيال تطبيق تفاهمات أستانا المتعلقة بمنطقة خفض التوتر في إدلب، حيث إن اتفاق سوتشي ينصّ على أن تضمن السلطات التركية انسحاب المجموعات الإرهابية من حزام يمتد بعمق 15 إلى 20 كم باتجاه الغرب، وهذا الأمر لم يحصل على الرغم من أنه مضى على اتفاق سوتشي شهران ونصف الشهر، وهذا هو السبب الذي مكّن المجموعات الإرهابية من قصف مدينة حلب أكثر من مرة، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد كبير من المدنيين، وآخر جرائم هذه التنظيمات الإرهابية استهدافها عدداً من الأحياء السكنية في حلب بقذائف تحوي مواد كيميائية، الأمر الذي يشير إلى أن هناك قراراً بالتصعيد الإرهابي من قبل رعاة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في إدلب، ولا سيما “جبهة النصرة” و”داعش” وكل المجموعات الأخرى المرتبطة بهما والمدرجة على قائمة مجلس الأمن للكيانات الإرهابية. وأضاف الجعفري: إن القوات التركية التي دخلت الأراضي السورية بشكل غير شرعي، والمنتشرة حالياً في عدة مدن وبلدات في شمال غرب سورية، تقوم بتغيير معالم المناطق التي تنتشر فيها من خلال محاولة إضفاء الهوية التركية على المناطق التي تحتلها، حيث قامت بتغيير اسم بلدة سورية من “قسطل مقداد” إلى “سلجوق أوباصي”، علاوة على ذلك تمّ فرض التعامل بالليرة التركية في المناطق التي تحتلها القوات التركية بدلاً من الليرة السورية، وتمّ رفع العلم التركي بدلاً من علم سورية، كما تمّ تغيير مناهج التعليم الدراسية في المدارس أيضاً، حيث لم تعد هناك مناهج دراسية سورية من إعداد الحكومة السورية، إنما مناهج دراسية تعدّها السلطات التركية، وهذا عدوان واحتلال واضح، وتساءل: هل يمكن وصف التنظيمات الإرهابية التي يرعاها ويدعمها ويحميها النظام التركي في إدلب، والمقصود بذلك الإرهابيون المرتزقة الأجانب، بـ “المعارضة” السورية، وهل “الحزب الإسلامي التركستاني” معارضة سورية معتدلة أو غير معتدلة، وماذا عن تنظيم “حراس الدين”، الذي أعلن ولاءه للظواهري في أفغانستان، أي لتنظيم القاعدة الإرهابي؟!. فهؤلاء كلهم إرهابيون أجانب موجودون في إدلب بحماية السلطات التركية.
وشدّد الجعفري على وجوب انسحاب كل القوات الأجنبية الموجودة في سورية بشكل غير شرعي، وهي القوات الأمريكية المنتشرة في منطقة التنف ومخيم الركبان وفي مناطق أخرى شمال شرق سورية، والقوات التركية التي تنتشر في مناطق عدة، والقوات البريطانية والفرنسية الموجودة بشكل أقل، وهذا الكلام يجب أن يكون جزءاً من الخطاب السياسي الدولي، بدءاً من الأمم المتحدة، وانتهاء بالدول الأخرى التي تهتم فعلاً بتطبيق قرارات مجلس الأمن الخاصة بإنهاء الأزمة في سورية، والتي تنصّ على الحفاظ على سيادة سورية ووحدتها واستقلالها، وهو ما أكده المجلس في ثلاثين قراراً، وافقت عليها الولايات المتحدة، ورغم ذلك تحتل أجزاء من سورية، وكذلك وافقت بريطانيا وفرنسا على هذه القرارات، لكنها تنشر قوات لها في سورية، الأمر الذي يؤكد أن هناك خللاً فاضحاً في تصرفات هذه الدول وفي توجّهاتها السياسية تجاه سورية.
وبيّن الجعفري أن سورية تقوم بالتنسيق مع أصدقائها وحلفائها حول كل القضايا المتعلّقة بالاجتماعات الخاصة بحل الأزمة في سورية، لكن فيما يتعلق باجتماعات أستانا، فهي تنسق بشكل دائم مع الضامنين الروسي والإيراني، لكن لا يمكن أن يحدث شيء، لا في أستانا، ولا في غيرها دون موافقة الحكومة السورية، وهذه حقيقة وواقع أصبح الجميع يدركهما.
ورداً على سؤال حول عرقلة الغرب عودة المهجرين السوريين، قال الجعفري: في حواراتنا الثنائية مع الضامنين الروسي والإيراني ومع الأمم المتحدة كنا دائماً نثير هذه المسائل، وأثرناها بقوة خلال هذه الجولة، وأكدنا أنه لا يمكن أن تستقيم الادعاءات الغربية بالنسبة لإنهاء الأزمة في سورية مع استمرار الضغوط الغربية باتجاه عدم عودة المهجرين إلى وطنهم بذرائع واهية يعبّرون عنها من حين لآخر، لكن نقول دائماً: إنه إذا أرادت الدول الغربية فعلاً مساعدة سورية ومساعدة الدول المضيفة للمهجرين، فيجب أن تبدأ أولاً برفع الإجراءات الاقتصادية عن سورية ليتمكّن المهجرون من العودة إلى وطنهم، وممارسة أعمالهم وحياتهم الطبيعية، والمساهمة في إعادة تحريك وتدوير آلة العمل الاقتصادية داخل سورية.
وكانت الجولة الحادية عشرة لاجتماع أستانا اختتمت أعمالها ببيان تلاه وزير خارجية كازاخستان خيرات عبد الرحمانوف، جاء فيه: “إن الدول الضامنة “روسيا وإيران وتركياً” تؤكّد مجدداً التزامها بسيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، وضرورة مواصلة الجهود للقضاء على تنظيمي “داعش” وجبهة النصرة الإرهابيين والجماعات المرتبطة بهما”، وأكد البيان رفض جميع المحاولات لإنشاء حقائق جديدة على الأرض في سورية بذريعة محاربة الإرهاب فيها، ورفض الأجندات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة ووحدة الأراضي السورية، مشدداً على أنه من غير الممكن التوصل إلى حل للأزمة في سورية إلا عبر عملية تسوية سياسية يقودها السوريون بالتماشي مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وشدّد البيان على ضرورة التطبيق الكامل للتفاهم بخصوص إدلب والمنطقة منزوعة السلاح، مع التأكيد على أنه لا يمكن أن تكون منطقة “خفض التصعيد” في إدلب تحت أي ظرف تقويضاً لسيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، معرباً في هذا السياق عن القلق حيال الانتهاكات المستمرة لنظام وقف الأعمال القتالية هناك، كما أدان أي استخدام للسلاح الكيميائي في سورية، وطالب بالتحقيق في أي تقارير بهذا الشأن بشكل شفاف ومهني، وبالانسجام مع اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
وجدّد البيان التزام الدول الضامنة بتكثيف الجهود لتشكيل لجنة مناقشة الدستور في أقرب وقت ممكن، وأن تتمتع بدعم الأطراف السوريين، بالتوافق مع قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، وأشار إلى أهمية مواصلة الجهود الهادفة إلى مساعدة السوريين على استعادة حياتهم الطبيعية، وإنهاء المعاناة، ودعوة المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، إلى زيادة المساعدات إلى سورية، وتأمين عودة المهجرين، وتكثيف الجهود حول حل مسألة المخطوفين والمفقودين.
وقرّرت الدول الضامنة وفق البيان عقد الاجتماع المقبل في بداية شهر شباط من العام القادم في أستانا.
روسيا مستعدة لتقديم المساعدة لإعادة الاستقرار إلى إدلب
وفي السياق نفسه، أكد مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ورئيس الوفد الروسي إلى اجتماعات أستانا، الكسندر لافرنتييف، أنه “يوجد في محافظة إدلب نحو 15 ألف إرهابي من تنظيم جبهة النصرة، وهذا أمر غير مقبول”، حيث حذّرنا المجتمع الدولي مراراً من هذا العدد الكبير من الإرهابيين، الذين يمتلكون مواد كيميائية يمكن أن يستخدموها ضد المدنيين، وهذا ما حصل في مدينة حلب مؤخّراً، ونستغرب تجاهل الدول الغربية هذا الاعتداء، ولفت إلى استعداد روسيا لتقديم كل مساعدة ممكنة لإعادة الاستقرار إلى محافظة إدلب، بما في ذلك تقديم الدعم اللازم للجيش السوري، مؤكداً أن مكافحة الإرهاب في سورية ستستمر حتى القضاء على التنظيمات الإرهابية بشكل كامل. وأعرب لافرنتييف عن قلق موسكو من وجود القوات الأمريكية غير الشرعي في سورية، وجدّد مطالبة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بإرسال خبرائها إلى مدينة حلب التي استهدفتها التنظيمات الإرهابية بقذائف تحوي مواد كيميائية من أجل الكشف عن التفاصيل المتعلقة بهذه الحادثة، وأشار إلى أن الحكومة السورية هيّأت الظروف المناسبة لعودة المهجرين إلى بلدهم، وعاد آلالاف منهم مؤخراً، وهناك ازدياد فى عدد المهجرين الراغبين بالعودة، الأمر الذي يتطلّب من المجتمع الدولي المساعدة فى هذه العملية، مطالباً في الوقت ذاته الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، بعدم تسييس قضايا عودة المهجرين، وإعادة الإعمار في سورية، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها.
وحول نتائج الجولة الحالية لاجتماعات أستانا قال لافرنتييف: “إن موسكو تعتبر نتائجها إيجابية بشكل عام، حيث ناقشت مجموعة كبيرة من المسائل، ابتداءً من الوضع على الأرض، وحول إدلب وفي المناطق السورية الأخرى، والوضع العام فيما يخص الاستقرار، إضافة إلى تشكيل لجنة مناقشة الدستور، وهي مسألة ذات أهمية كبيرة، حيث لا يزال العمل على ذلك مستمراً، ونقترب من تحقيق الهدف ليكون من الممكن الحديث حول تشكيل اللجنة التي تضم 150 شخصاً”.