ثقافةصحيفة البعث

د. قمحية.. قصائد الـمهْجر أكثر شعرية وأَبعد مرمى

عبد الحكيم مرزوق 

صدر للدكتور حسّان أحمد قمحية مؤخراً، عن دار الحوار باللاذقية، ديوان الشاعر الـمهجري محمود صارمي (1926 – 2017)، وقد جاء فـي 162 صفحة من القطع الـمتوسّط، وضمّ 59 قصيدة، وكان الشاعر قد جمعَ قصائدَه التي نظمها فـي الـمهجر، وما بعدَ عودته منه بزمنٍ طويل، فـي ديوان سمّاه “دروب الحلم”، وأصدره سنةَ 2005 م، ولـم ينشر الشاعر قصائد جديدة بعد هذا التاريخ. ولم يشتمل ديوان “دروب الحلم” على جميع قصائد الشاعر، بل فات بضعٌ منها، مثل قصيدة “ويا وطَني عليك سلامُ صَبّ”، فضلاً عن نقص بعض الأبيات من قصائد أخرى، فاستدرك الدكتور قمحية هذا النقص، وألحقَ ما فات من الأبيات بمواضعها، كما صدّرَ الديوان بمقدّمة عن حياة الشاعر وسيرته الأدبية، وأعاد ترتيبَ القصائد بحسب القوافي، ثمّ وضعَ لها فهرساً بحسب البحور، وذيّلَها بمناسباتها، بالإضافة إلى ضبط الكلمات بالشكل وشرح الـمفردات العسيرة.

وفـي استكمال ديوان محمود صارمي وطرحه بين أيدي الباحثين من جديد، مع التعريف بالشاعر وسيرته الأدبية، ما يبعث على الاهتمام والبحث لاستفراد ظواهر شعره وملامحه.

وُلِد محمود علي صارمي سنة 1926 م فـي قرية كفر جوايا من أعمال صافيتا فـي طرطوس، وحفظ القرآن فـي صِغَره، ودرس قواعدَ اللغة العربيّة، وعكف على مطالعة كتُب الأدب والشعر. وبسبب ظروف الـمعيشة القاسية هاجر سنةَ 1950 م إلى الأرجنتين، والتحق بعمّه صاحب مجلّة “الـمواهب” الـمهجرية الأديب والشاعر يوسف صارمي الذي سبقه إليها، وفـي الأرجنتين مارس محمود صارمي بعضَ الأعمال التجاريّة، فضلاً عن مساهمته مع عمّه فـي تحرير مجلّته التي كان ينشـر فيها قصائدَه أيضاً.

عاد محمود صارمي إلى مدينته صافيتا سنةَ 1959 م بعدَ نحو تسع سنوات من الاغتراب، وبقيَ فيها حتّى وفاته سنة 2017 م. وقد نظمَ قصيدة بعنوان “حنين إلى الوطن” برّر فيها عودتَه إلى وطنه قال فيها:

سأَعُودُ يا أُمِّي إلى رَوْضِ الصِّبا

فَتَعِيشُ أَحْلامي، ويَهْنَأُ بالي

سأَعُودُ لِلْعُشِّ الذي أَرْضَعْتِني

فيهِ الحَنانَ وخَمْرَةَ الآمالِ

سأَعُودُ والشُّهْبُ الفَتِيَّةُ تَزْدَهي

ومَرابِعِي سِحْرِيَّةُ الآصالِ

والصُّبْحُ وَرْدِيُّ الخَمائِلِ أَبْيَضٌ

والـمُبْكِراتُ عَرائِسٌ ولآلِـي

سأَعُودُ والشَّمْسُ الحَبِيبةُ في يَدِي

ومَواكِبُ الفَجْرِ النَّدِيِّ حِيَالي

سأَعُودُ يا أُمِّي إِلَيْكِ فتَنْطَفِي

غُصَصٌ، ويَخْصُبُ في يَدَيْكِ خَيالي

جمعَ محمود صارمي قصائدَه التي نظمها فـي الـمهجر، وبعدَ عودته منه بزمنٍ طويل، فـي ديوان سمّاه “دروب الحلم” تيمّناً بقصيدة جاءت فيه بالاسم نفسه مطلعها:

دُرُوبُ الحُلْمِ أَجْنِحَةٌ وسِحْرٌ

وأَفْيَاءٌ نَدِيّاتٌ وعِطْرُ

نظم الشاعر الكثيرَ من القصائد فـي غربته، ولم يُدرج بعضها فـي ديوانه الذي جمعه بعد عودته إلى وطنه (دروب الحلم)، ومن تلك القصائد “ويا وطَني عليك سلامُ صَبّ” وقد بلغ عددُ القصائد التي وجدَها الدكتور قمحية خارجَ الديوان خمس قصائد، أمّا القصائد التي ضمّها الديوان القديم فهي 54 قصيدة، وبذلك يكون مجموع ما نظمه الشاعر ونشره هو 59 قصيدة. تواصلَ الدكتور قمحية مع ابن عمّ الشاعر رامي عمران صارمي، مستفسراً عن قصائد أخرى له، فذكر أنّه لـم ينظم وينشر شعراً بعد إصدار ديوانه الوحيد سنةَ 2005 م، لعدة أسباب منها انشغاله بالتجارة، وتعرّضه لنكسات صحّية انتهت بوفاته سنة 2017 م.

كان أكثرُ شعر محمود صارمي فـي الـمناسبات، ولـم ينظم الكثيرَ من الشعر بعد عودته من الـمهجر. وقد قسّم الشاعر ديوانه الذي جاء فـي 127 صفحة إلى خمسة أبواب على النحو التالي: “عظماء أمّتي، مراثي، وجدانيّات، غزليّات”. والتزم فـي كلّ شعره بالبناء العمودي للقصيدة، لكنّه نوّع فـي البحر فـي أكثر من قصيدة من غير قصد كما بدا لـي (خلط بين الكامل والسريع)، وفـي القافية (كما فـي قصائده: نظرة، رُدِّي جُفُونكِ، كاعِب).

ويُلاحَظ أنّ قصائدَ الشاعر خلال وجوده فـي الـمَهْجر كانت أكثرَ شعرية وأجمل معانـيَ وأَبْعَدَ مرمى وأعمقَ دلالة، وكان يكثر فيها من الوصف كما فـي قصيدتَـيْ: “لا تحْسَبي” و”غادتـي”، مستعيراً مفرداتِه من الطبيعة.

خاض صارمي فـي عددٍ من الأغراض الشعرية، ما بين نسيب وفخر ورثاء ومديح وتأمّل، ويتّضح ذلك من خلال الأبواب التي وضعها لديوانه القديم. ولكن، يُلاحَظ فـي بعض قصائده تعدّدُ الأغراض الشعرية فـي القصيدة الواحدة كما فـي قصيدة سَيِّد القَوافـي، وغادَتِـي، ولا تحْسَبي، ويا لَيْل، وهذا بخلاف ما نادى به شعراء الـمهجر، لاسيّما الشمالي، إذ دعوا إلى وحدة القصيدة والالتزام بموضوع واحد.