كلّ المَقاطع حارّة
عبد الكريم النّاعم
إنّ أيّ تتبّعٍ منصِف، لمواجهة هذه الأمّة، منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن، سيجد أنّها تُواجه أخطارا من نوع بالغ الخصوصيّة، لاسيّما منذ أن تبلور المشروع الصهيوني المدعوم من قوى الاستعمار الغربي المتصهين حتى النّخاع، ولا أدّعي أنّني أعرف أكثر من الآخرين في سياق المجريات التاريخية، بيد أنّني أصرّ على أنني من الذين لم ييأسوا من الطاقات الكامنة في هذه الأمّة، رغم اشتداد الظلام الحالك، وخاصّة بعد أن جرى إشهار التعاون الأعرابي مع الصهيونيّة إلى الواجهة العلنيّة، بعد أنْ أبقوه خفيّا لزمن طويل، وإنْ لم يكن ذلك خافيا على ذي بصيرة، صادق الانتماء، حديد النّظر.
القراءة الواقعيّة، التي لا انحياز فيها تقول إنّ الشعب العربيّ في تونس، بجميع فئاته لعب دور المحرِّك الفاعل منذ بداية ما يُسمى الخراب العربي، ورغم تكالب قوى الغرب تكالبا شرساً من أجل تدمير المنطقة العربيّة تدميرا، هدفه بعثرة كلّ دولة إلى دويلات طائفيّة، أو أثنية، أو قَبَليّة، ورغم ما حشدتْه دوائر ودول الغرب المتحالف مع الصهيونيّة العالميّة، فإنّ المآلات صدمت تلك الدوائر، وهي اليوم في حالة من التراجع الملحوظ، وهذا يستدعي استنفار الطاقات في أماكن الحراك إلى أقصى طاقاتها العليا، خيفة من ردّة معاكسة محتمَلة، لاسيّما وأنّ ثمّة من يعمل على تقطيع بعض الأجزاء.
ثمّة الآن جبهتان رئيستان على مستوى المنطقة كلّها، رغم كلّ التشابكات، والإصرار على إبقاء مناطق النّار مشتعلة، هما جبهة المقاومة التي تقف في وجه المشروع الصهيوني، المتجلّي الآن في صفقة القرن، وفي فتح أبواب بعض عواصم الأعراب للزوّار الإسرائيليين، وجبهة المقاومة.
لن أفصّل في مواقف الحكومات المعنيّة، فهي معروفة للجميع، ولكنّ المهمّ أن نتوقّف عند بعض العلامات البارزة في المعركة الدّائرة، وذات التأثير العميق. مصر الدّولة الأكبر ما تزال مكبّلة بما أرستْه كامب ديفيد، ويستتبِع هذا أنّ جماعة أوسلو بين الفلسطينيين مازالوا يتمسّكون بها، ولا يُقدِمون على إعلان تمزيقها، رغم الدماء التي تسيل يوميّا فوق الأرض المحتلّة، ولا أدري كيف يستطيع هؤلاء إقامة توازنهم النفسي، مع ما يُحيق بهم من الحرْق، والسجن، والتقتيل ليل نهار؟!
الذي لاشك فيه الآن أنّ شعب المغرب العربيّ هو الأبرز في التصدّي لمشروع صفقة القرن، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وشطبها من التداول.
لعلّ من يسأل: وماذا عن الشعب في سورية والعراق، وهما جناح المشرق العربي، هنا لابدّ من التّذكير بأن الدولة في هذين القطرين لها ذات الموقف الجماهيري، المميَّز، والمشكور، وهذا يجعل الدّولة أكثر فاعليّة في التصدّي، وفي المواجهة، أمّا بعض أشقّائنا في المغرب فهم يواجهون مواقف، أفضل ما يُقال في بعض أصحابها، أنّها تتعمّد صيغة الالتباس، وتثير الكثير من عدم الاطمئنان.
هنا أعود إلى مسألة مسكوت عنها في هذه المقالة، وهي جوهرها المُستكنّ، وهي أنّ روح “العروبة” التي كفر بها العديد ممّن كانوا من المؤمنين بمقولتها، والتي شكّك فيها الذين لا يلتقون مع هذه الروح، وتوقّف عندها بعض الذين اهتزّت قناعاتهم، وزُلزِلَت،.. روح “العروبة”، بمفهومها التقدّمي، الحضاري، الذي يشمل كلّ مكوِّنات المجتمعات العربيّة، منذ آلاف موغلة في التاريخ.. هذه الرّوح هي التي تتجلّى الآن، وما علينا سوى التقاط اللحظة التي تبدو تاريخيّة بكل المقاييس، ومصيريّة لا تقبَل المهادنة، ولا التسويف.
aaalnaem@gmail.com