أخبارصحيفة البعث

“لا نريد أن نكون متساوين أمام الصحون الفارغة”

 

د. مهدي دخل الله

العبارة الواردة في العنوان قالها نيكيتا خروتشوف نهاية خمسينيات القرن الماضي. الزعيم السوفيتي الشهير الذي انتقد ستالين بشدة في تقريره للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، عام 1956، كان قد بدأ يشعر بمخاطر الاستمرار في تطبيق مبدأ «المعدات المتساوية» في الدولة الاشتراكية العظمى..
اليوم نشعر جميعاً بأن من أهم العوامل التي قضت على التجربة الاشتراكية الكبرى هو تطبيق هذا المبدأ بالذات باعتباره ثقافة أساسية للتعامل مع المنتجين بوجه خاص والمواطنين كلهم بوجه عام..
ثقافة «الجميع لهم المعدة نفسها» أدت الى أن تتعامل الدولة مع العبقري المبدع تماماً كما تتعامل مع الغبي البليد. ليس هذا فحسب لأن القضية لا تتعلق فقط بما أسموه «عدالة التوزيع» وإنما تتعداها الى «عدالة الإنتاج».
تتطلب عدالة التوزيع المساواة أمام الصحون, لكن عدالة الإنتاج تتطلب معالجة مناسبة كي تمتلأ الصحون. هذه المعالجة تؤكد أن «عدالة الإنتاج» هي إعطاء كل فرد حسب طاقته وعطائه, فلا يجوز أن يكون نصيب مالك الجزء الأهم من الطاقة مثل نصيب مالك الجزء الأقل منها..
عدالة الإنتاج ضرورية من أجل تحقيق شعار «حشد الطاقات» في عملية التنمية. والناس غير متساوين في طاقاتهم لذا فلا يمكن أن يكونوا متساوين في نصيبهم من «الحلوى الاجتماعية». ذلك أن هذه الحلوى لا يمكن صناعتها أصلاً إلا اذا قدم كل الأفراد طاقاتهم، وهي طاقات غير متساوية – وإلا جلس الجميع متساوين أمام الصحون الفارغة..
فهم الصينيون هذه الحقيقة وطبقوها على أساس أن عدالة الإنتاج أهم من عدالة التوزيع..
هذه مسألة مهمة لبلدنا ونحن في مرحلة تحولٍ تاريخي. لا بد من تغيير الثقافة التي اعتدنا عليها في العقود الماضية والتي تركز على عدالة التوزيع بينما المهم هو حشد الطاقات وإبدال المعيار الطبقي بالمعيار الوطني. كل من يعمل لأجل الوطن إنسان جيد بغض النظر عن موقعه في توزيع الحلوى. المهم هو دوره في صناعة هذه الحلوى..
المشاكل الاجتماعية التي يمكن أن تظهر إذا طبقنا هذه الثقافة الجديدة يمكن حلّها عبر عملية إعادة التوزيع. هي عملية تسعف العدالة الاجتماعية لكنها تتطلب دولة قوية في تدخلها في الاقتصاد..

mahdidakhlala@gmail.com