آلية ردم الهوة بين سوق العمل “واللاهث وراءه” موضع جدل إدارة الأزمة أعطت قيمة مضافة للمجتمع السوري.. والشركات تفتقد أدبيات التوظيف
دمشق – ريم ربيع
لم يعد من المقبول تذرع الشركات وسوق العمل بنقص الكوادر والكفاءات بعد الآن، فرغم هجرة آلاف العقول والخبرات لا تزال الجامعات والمدارس والمعاهد تخرج سنوياً عشرات الآلاف ممن يسعى لفرصة يثبت فيها خبرته ومهارته، غير أن الخلل يكمن في الهوّة الفاصلة في ما يتطلبه سوق العمل وما تخرجه تلك المنشآت العلمية والمهنية، فلا هذا يعلن عن حاجته بشكل صحيح، ولا ذاك يعلم لمن يتوجه بحثاً عن العمل، وهنا لابد من الإشارة إلى بعض الشركات اللاهثة وراء العائد المادي فقط دون الاعتناء بالمورد البشري، وتأمين بيئة مريحة لرواد الأعمال. ولعل استضافة غرفة تجارة دمشق في ندوة الأربعاء التجاري لمدير مجموعة EVOLVE التي تنبثق عنها شركة متخصصة في التدريب والتوظيف، فرصة لمناقشة دور الموارد البشرية وريادة الأعمال في إعادة الانتعاش الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، والإشارة إلى مواطن الضعف في سوق العمل السوري وكيفية معالجتها.
خازن غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق لم يخف نقص الموارد البشرية في سورية وعدم إيمان بعض الشركات الكبيرة بهذه القيمة الكبيرة، خاصة في اختيار كفاءات على مستوى عالٍ من التدريب لشغل مناصب معينة تمكنهم من التأثير في مفاصل الانتعاش الاقتصادي، داعياً إلى تسليط الضوء على الكفاءات والخبرات رغم قلة عدد اليد العاملة “وليس انعدامها” وحتمية تغيير الآلية الحالية في التوظيف في ظل العقبات المترتبة على انقطاع التشبيك بين المورد البشري وأصحاب العمل، الأمر الذي يتطلب برأيه شركات خاصة تكون بمنزلة صلة الوصل بين صاحب الكفاءة وسوق العمل لإعادة الهيكلة وتصحيح مسار التوظيف.
وبدلاً من الاستمرار في الدوران ضمن حلقة مفرغة بين صاحب العمل المصر على توفر الخبرات والتدريب للتوظيف، والباحث عن عمل الذي لا يجد من يقدم له هذه الخبرة، ارتأى مدير عام مجموعة Evolve علاء المصري أن تفتح الشركات باب التدريب للمتقدمين إليها بحيث توفر بيئة متكاملة تربط التدريب بالخبرة بالعمل، بذلك تكون الشركة حفزت موظفيها على مفهوم الولاء للعمل، وهو ما ينقص سوق العمل السورية، الأمر الذي أكده محمد الحلاق متأسفاً على نقص الولاء لدى الموظف من جهة وتجاهل بعض أصحاب الشركات لأدبيات العمل من جهة أخرى.
وأضاف المصري: إن مواكبة النهضة الاقتصادية المقبلة تتطلب الاعتناء بالمورد البشري واستثماره وفقاً لطبيعة المجتمع ومتطلباته بدلاً من تطبيق قوالب جاهزة مستوردة من الخارج قد لا تلائم سوق العمل السوري، لافتاً إلى إحدى نقاط القوة المكتسبة لدى العامل السوري في إدارة الأزمات والموارد بعد سني الحرب الطويلة، وضرورة استثمارها في الارتقاء بالنوع والكم في العمل. كما رأى المصري أن رفع سوية العمل لم يعد خياراً بل حتمية لمواكبة المعايير الدولية خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد قدوم الاستثمارات الأجنبية وفتح مجالات التعاون، ما يتطلب جهوداً مضاعفة وانتقائية مناسبة تغطي حاجة السوق.
من جهة أخرى كان لربط منتجات التعليم “مهني أو جامعي” بسوق العمل حيز من النقاش بين المشاركين في الندوة، حيث رأى البعض الأخذ برأي الشركات حتى في المناهج لكي يدرك الدارس مطالب سوق العمل وكيف يستثمرها، وتعزيز ثقافة العمل الحر كرهان على الانتعاش الاقتصادي، إلى جانب تأمين بيئة مريحة لرواد الأعمال تصل بهم لمشروعات ناجحة، فيما رأى البعض أن الإشكالية في سوق العمل بالقطاع الخاص تتعلق بمعدل دوران العمالة وتشابه الرواتب مع القطاع العام، ما دفع محمد الحلاق ليؤكد أن القطاع الخاص يعطي رواتب عالية بناءً على الكفاءة ومقدار العمل. وفي هذه الجزئية طرح المصري جدلية أو حسب تعبيره “رمى فتيشة” الاختيار بين الراتب العالي بلا تأمينات أو الراتب المعتدل مع التسجيل بالتأمينات الاجتماعية، ما أوجد نوعاً من الجدل بين المشاركين نتيجة عدم الثقافة الكافية لمفهوم التأمينات وعدم إيمان الموظف بها، فيما رأى الحلاق أن التأمينات الاجتماعية ينظر إليها اليوم كجهة جباية فقط تحتاج إلى برنامج حقيقي توعوي بحيث يغير المجتمع تلك النظرة ويعرف أنها خدمة مجتمعية لطرفي العمل.