أصغر دولة كبرى
قد يكون من السذاجة بمكان التعامل مع الظروف الاقتصادية التي عاشها المواطن منذ بدء الحرب إلى الآن بتراخٍ مصحوب بالتعامي عن الحقائق التي تشهد عليها فصول الضغوط التي تعرّضت لها القطاعات الإنتاجية والخدمية المترافقة مع مناخات معيشية مؤرّقة وخانقة، تظهر فصولها في الضربات القاضية التي تعرّضت لها الشركات والمؤسسات وكل ما له علاقة بعالم الأعمال والبزنس، حتى بلغت الخسائر حدّاً أثر في القدرات الاقتصادية للبلد، هذا عدا الأضرار وصفحات الدمار التي اكتُشف بعضها وآخرها قيد البحث.
كلنا يعرف أن سنوات ما قبل هذا الامتحان العسير الذي أتى على بعض من خيرات وموارد القطر، لم تكن السياسة العامة المتّبعة فيها تجاه الملفات والأجندات الاقتصادية بتلك الموضوعية المأمولة التي تخدم الواقع أكثر من أذيته، بل كان التعتيم مسيطراً على ذهنية الإدارات الحكومية التي طالما أشاعت مفهوم عدم نشر الغسيل الوسخ، ضماناً وأماناً، في تشبيك غير مفهوم بين الأداء الإداري والإنتاجي والبعد السياسي لصورة القطاع العام وحتى الخاص أمام الرأي العام المحلي والخارجي، ومحاولة تجنّب الشماتة من الأطراف التي تضمر وتعلن العداوة لمقدراتنا -كما يصرّ الخبثاء على النعت والتوصيف- تهكماً لعقلية موروثة تخوّن كل من يشير بالنقد البنّاء إلى مواضع الخلل والفساد وسوء استخدام السلطة والمنصب الحكومي.
اليوم دعونا نتفق جدلاً على أن في الأزمة إيجابية ما، ولو أن الكثيرين لن يتفقوا معنا على هذه الفكرة التي نؤكد جدليتها، وبناء على ذلك، فإن خيط الإيجاب هذا يتعلق بصفعة مؤلمة توقظ المجتمع الاقتصادي من خدر الخطأ والخطيئة، وتنشد التغيير المتجدّد الذي يلغي أزمان التخفي خلف الإصبع، حتى ولو لم يترك الإرهاب المدمّر فرصة لمتابعة مسير إصلاح ذات البين الذي بدا واضحاً من جانب أصحاب الفكر المتنور في البلد.
في المقلب الآخر ثمّة بطولة من النوع الخارق الذي بدا جلياً في القدرة المجتمعية السورية على الصمود والمواجهة أمام كل هذا السيل الهائل من الضغوط والحصار والعقوبات الكفيلة بإنهاء كبريات الاقتصاديات العالمية، إلا أن الوصفة السرية التي تمتلكها أصغر دولة كبرى كما يسميها البعض قلبت الموازين.
ورغم كل هذا الرصيد من العداء الكوني إلا أن عجلة الحياة استمرت، فلا الموارد مفقودة ولا الدواء والغذاء، في وقت يسجل القطاع المصرفي صموداً مدعماً، والأهم إمكانية التكيّف مع المستجدات بما يفرز خيارات وبدائل مفتوحة تقي المواطن شر العوز الغذائي والدوائي، وهنا لا نجافي الحقيقة إذا تنبّهنا إلى نموذج وطني يعدّ درساً للغير، وبالتالي لا داعي للبحث عن مذاهب وتجارب نستوردها كما حاولت حكومات سابقة فعله.
إذاً حان الوقت للاعتراف بالمزايا التفضيلية الوطنية، مع عدم تجاهل الإشارة بالبنان إلى مواضع الخلل، وهذا ما كان عنواناً عريضاً لتوجيهات السيد الرئيس للحكومة مؤخراً، عندما كانت الشفافية مثالاً يجب أن يحتذيه كل من هو على كرسي المسؤولية، مع التنبّه إلى حقيقة التأثر والتأثير في الظروف والأحداث القريبة والبعيدة، لأننا جزء من العالم الأرضي وليس الافتراضي، ولكن في الوقت نفسه من الضروري تأكيد الخصوصية المرتبطة بسرعة التكيّف ومعايشة التطورات المحلية والإقليمية والدولية بإرادة سورية بحتة لا يمتلكها من يدّعي الغنى والقوة العظمى.
علي بلال قاسم