ماي في مهب الريح؟!
لم تكن الإشكاليات التي يشهدها مجلس العموم البريطاني ومعارضة أغلبية أعضائه تيريزا ماي وتهديدهم بحجب الثقة عنها مفاجئة، فلم تكن نتائج استفتاء عام 2016 ذات أغلبية ساحقة، وكان الفارق بسيطاً بين نسبة المؤيدين للانسحاب والمعارضين له ( 51.9 % لصالح الانسحاب، و 48.1 % لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي).
المفارقة أن رئيسة الوزراء البريطانية كانت من الداعين إلى البقاء في “الأحضان الأوروبية”، لكنّها فيما بعد ولأسباب مجهولة عقدت العزم على إتمام إجراءات الانسحاب!.
اليوم تواجه ماي أصعب أزماتها وقد نشهد في غضون الأيام المقبلة أخباراً تحت عنوان: “ماي في مهب الريح!”، موقف لا تحسد عليه فهي تواجه ضغطاً من أطراف متعدّدة، ما بين معارضين للانسحاب، ومعارضين للخطة التي طرحتها، من قبل زملائها في حزب المحافظين، وما بين ضغوط من الجانب الأوروبي بخصوص تنفيذ بنود الاتفاق.
رغم كل التخبّطات، وجهود نواب كثر في مجلس العموم لعرقلة إتمام المفاوضات، ولا سيما أن هذه الجهود تتماهى وتتكامل مع تعبيرات شعبية، حيث شهدت شوارع لندن مظاهرات للمطالبة بإجراء استفتاء ثانٍ حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن ماي أعلنت عدم وجود نية مطلقاً لإعادة الاستفتاء.
وفي حال افترضنا، إضافة إلى أثر المعطيات السابقة، انتهاء المفاوضات وإتمام إجراءات الانسحاب مع بقاء ماي في منصبها، فإن النتائج الفعلية للانسحاب سترتّب تغيّراً في مواقع التأييد والمعارضة لحكومة ماي، وعند أول تخبّط أو مشكلة تواجهها بريطانيا بعد الانسحاب الرسمي من الاتحاد، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، داخلية أو خارجية، ستوجّه أصابع الاتهام إلى الحكومة، وتحديداً إلى ماي، التي اعتزمت السير في المفاوضات ورفضت أي بديل لبريكست.
بالمحصلة، يجب على ماي الاعتراف بأنها لم تكن على قدر الحدث، رغم بعض الجهود لإنجاز “الطلاق”، لكن خطواتها بدت غير مدروسة ومبهمة ولا سيما مع رفضها نشر الاستشارة القانونية الكاملة حول اتفاق “بريكست”، الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، حيث زادت الانتقادات الموجّهة إليها من قبل مجلس العموم، كما زادت عزلتها وضعف موقفها. وقد تكون نقطة الأمل الوحيدة المتبقية لدى البريطانيين أن لندن ستتمكن أن تقرر من جانب واحد، إذا رغبت بذلك، بالعدول عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
الآن، هناك خياران مطروحان للتفاوض، أولهما احتمال الانسحاب من دون التوصّل لاتفاق ينظّم العلاقة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، وثانيهما البقاء لسنوات في فترة انتقالية مع تعديلات سيكون أبرزها خسارة بريطانيا قدرتها على التأثير في قرارات الاتحاد الأوروبي، لكن، مع تراجع رصيد ماي في الدفاع عن خطتها وإتمامها، وإصرار بعض النواب من حزبها أو حزب العمال على عرقلة المفاوضات (ولهم بالطبع آراؤهم التي يدافعون عنها أيضاً التي قطعت ماي عليها طريق النقاش مقدّمة “خطة لا بديل لها”)، ويبدو الخيار الثالث المطروح هو حجب الثقة عن ماي وعزلها.
في النهاية، إذا حاولنا توسيع منظارنا إلى واقع النظام الدولي الراهن، هل يمكن أن نتنبأ بأن التخبط والفوضى أو “الفوضوية” ستجد مكانها إلى جانب النظام، ولربما تتغلّب عليه ونشهد تحوّلاً إلى الفوضوية أو “الفوضى العالمية” كبديل للنظام؟! أم إنها فقط بدايات الاصطفاف الجديدة وملامح التحوّل العكسي نحو تعددية الأقطاب!.
ريناس إبراهيم