“في حضرة باب الجابية- طفل البسطة”.. رؤية نقدية
” لم يكن يبيع من عنبه شيئاً مما تحمل تلك العريشة، بل إنه يقدمه هدية إلى الجيران بلا استثناء”
هذه المفردات للأديب أيمن الحسن شدّت جمهور المركز الثقافي –أبو رمانة- ومحبيه إلى ملامح روايته “في حضرة باب الجابية –طفل البسطة” في الندوة التي اتخذت الطابع الحواري المباشر مع المشاركين – الإعلامية إلهام سلطان والناقد عماد فياض، والجمهور والروائي الحسن الذي قرأ مقتطفات من الرواية باحت بمضامينها وعناصرها، مستحضراً مرحلة الستينيات المليئة بالصراعات، وتوقف عند البعد السياسي في الصراع العربي الإسرائيلي وهزيمة حزيران وصولاً إلى حرب الاستنزاف التي لم تقتصر على مصر، وإنما شهدتها سورية كما ذكر، إضافة إلى أحداث أيلول الأسود.
تلك الأحداث التي توازت مع أبعاد اجتماعية لسورية تجاوزت الطائفية، ووصف حياة العمال المهمشين الذين أوجدوا لأنفسهم مساحة من الحبّ تنتصر على حياة البؤس والفقر المدقع، واعتمد الحسن على الرموز والدلائل في نهاية الرواية لطرح تساؤلات مازالت قائمة حول أولئك العمال الذين مازالوا غير مسجلين في النقابة، ولا يوجد قانون يحميهم من قسوة الأيام، فما هو مصيرهم؟ كما نوّه إلى الجشع الاجتماعي والفساد متطرقاً إلى المشافي الخاصة “كتجارة حقيرة أتقنها عديمو الضمير” حينما كان العمال يذهبون ليبيعوا دمهم.
هندسة الرواية
وانطلقت الإعلامية إلهام سلطان من مفتاح الرواية، باب الجابية أحد أبواب دمشق باتجاهاته المتعددة، مركزة على التقاطع مع السيرة الذاتية للروائي أيمن الحسن ومجريات الرواية بحبكتها المحكمة، من المكان والوضع الاقتصادي والاجتماعي، إلى الشخصيات المتعددة، متوقفة عند عادل الصحفي وغيثاء الفتاة المثقفة الواعية التي خرجت من الحارة القديمة ولم تتأثر بالوسط، إلى صداح الشخص الصامت الذي يحمل بداخله نهر الفرات الهادر، والذي يخرج عن صمته في نهاية الرواية، ويرتبط مع عزيزة بقصة حبّ، لتصل إلى المحور الأساسي في الرواية العمال الذين يتعرضون لكل أنواع القمع والتهميش والاستغلال “استلقى الواحد منهم بطوله الكامل على بطنه، فارتاحت قدماه على أصابعهما، بينما ترك الآخر رأسه على ساعده الأيسر” إلى العلاقة الحميمة التي تربط بين طفل البسطة ووالده “أبو طنوس” رغم قسوته عليه. ومن حيث التقنية الفنية ركزت على الرمزية باعتماد الروائي على الدلالات والترميز من خلال هطل الأمطار واللباس الأسود والشمس وضبع الليل الذي دخل ضمن الرموز، محللة مقطع الجنازة في نهاية الرواية المحمّل بالرموز، لتخلص إلى أن أيمن الحسن شكّل الرواية بفنية المهندس من حيث السرد والذاكرة البصرية والوصف والتتابع الزمني والمكان والتشويق، إضافة إلى التوثيق لاسيما التوثيق الفني لأغاني فريد الأطرش.
المذياع والوطن
ومن حيز المكان الضيق من باب الجابية وأسواقه المتفرعة عنه والمحلات المسقوفة التي يصنعون فيها الفراء، إلى الفندق إلى باب السريجة إلى مقبرة باب صغير، إلى آخر باب الجابية، بيّن الناقد عماد فياض كيف حوّله الحسن إلى مكان فسيح ينبض بالحياة لايتوقف عند حدود حجارته، متوقفاً عند المكان البطل الذي تدور حوله الشخوص، من ساحة باب الجابية وسور جامع السنانية يجتمع العمال المهمشون الذين ينتظرون من يأتي ليأخذهم ليعملوا بورشات البناء، إلى “أبو طنوس” الشخصية المحورية في الرواية الرجل الذي بُترت ساقه ورغم ذلك يتحلى بروحه المرحة بائع الشاي والقهوة عازف العود الذي يغني للعمال أغنيات فريد الأطرش وحينما لايجد العود يستعين بعكازه ليعزف عليها بالعصا، إلى أفلاطون المستشرق اليوناني الذي أحب دمشق، إلى طفل البسطة الذي يحتمل عنف والده وضربه على رأسه، ليتوقف عند الحوارات التي كان ينقلها طفل البسطة عن شخوص الرواية.
وفي منحى آخر تطرق إلى خاصية الثنائيات وعلاقات الحب الحميمة التي اتسمت بها الرواية ابتداء من أبي طنوس وزوجته وصداح وعزيزة وعبد الجبار وعيشة وعادل وغيثاء، وغيرهم.
وانتقل فياض إلى المرحلة الزمنية الهامة منذ بداية الستينيات وانتهت في بداية السبعينيات التي وثّق فيها الروائي خروقات إسرائيل والتفاف العمال حول المذياع وإصغائهم إلى البيان العسكري إيماءة إلى الارتباط بالوطن وتجذر كل الشرائح به.
قاع المجتمع
وتحدث الناقد أحمد بوبس عن الروائي أيمن الحسن الذي يسير على خطا نجيب محفوظ في تناوله قاع المجتمع، مشيراً إلى المكان باب الجابية الذي وصفه بالمكان الطارئ إذ اجتمع به العمال القادمون من قرى مختلفة بغية العمل وكسب ما يساعدهم على العودة إلى القرية وتحقيق حلمهم بالزواج، ليضيف تساؤلاً هل حقق هؤلاء حلمهم؟
وبرأي الناقد عمر جمعة أن الحسن أرهق القراء بكثافة الشخوص الذين يصل عددهم إلى قرابة خمسين شخصية، إلا أن الحسن استشهد بشخوص يوسف شاهين منوّهاً إلى أن الرواية لاتفهم أبعادها والعلاقات القائمة بين شخوصها من القراءة الأولى، في حين وجد الشاعر محمد عيسى أن الواقعية السحرية التي بدأ بها الحسن الرواية خلقت فيما بعد واقعية موازية لواقعية حقيقية.
كما أثار واقع الفقر المدقع مفارقات اجتماعية ناقشها الحاضرون، واقترحت الإعلامية إلهام سلطان تحويل الرواية إلى عمل درامي.
ملده شويكاني