الصورة الفوتوغرافية في الصحافة الورقية
لم تكن الندوة الحوارية “الصورة الفوتوغرافية في الصحافة الورقية” التي أقامتها صحيفة البعث كباقي الندوات إذ لأول مرة يتم تناول قضية تلامس بشكل مباشر أحد أهم هموم الصحافة الورقية في سورية خاصة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الإعلام الالكترونية. واللافت كان تفاعل إدارة التحرير، والصحفيين مع العنوان بشكل كبير ما يدل على أن هموم تطوير الإعلام الورقي هو الهاجس المشترك بين الجميع.
اتسمت الندوة بروح المسؤولية العالية تجاه القضية التي باتت تغيب عن المشهد الإعلامي الورقي، وغياب مكون رئيسي كان في السنوات الماضية أحد دعائم الصحافة المطبوعة، لا بل كان يشكل هوية كل صحيفة، لأنه في السنوات الماضية كانت الصور الفوتوغرافية حصرية بكل صحيفة، وكان اسم المصور يوضع على كل صورة تنشر له، وفي أغلب الأحيان كانت تبرز الصورة للدلالة على من قام بالتقاطها، خاصة إذا التقطت في الزمان والمكان المناسبين.
وقدم الزميل علي اليوسف ورقة عمل حول الصورة الصحفية وأهميتها في الصحافة الورقية بدأها بلمحة عامة عن تاريخ الصورة التي كانت أول شيء لجأ إليه الإنسان البدائي للتعبير عن نفسه وعن أفكاره، حتى ظهر فنانون تميزوا بقدرات ومهارات فائقة على التعبير بالصورة رسماً باليد. وفي أوائل القرن الثامن عشر كانت الصورة وما تزال ترسم يدوياً على الورق وعلى الجدران وألواح الخشب أو القماش أو غيرها من المسطحات، وعرفت الصحف تلك الطريقة في القرن الماضي حيث كانت الصور على شكل خطوط تحفر في كتل خشبية ثم تغمس في الحبر وتضغط على الصفحات إلى جانب المتن أو النص، وهذا ما كان يحدث في طباعة الكتب منذ اختراع آلة الطباعة في القرن الخامس، ثم جاءت الثورة الصناعية واخترعت آلة التصوير التي كانت حدثاً خطيراً أحدث انقلاباً هاماً في تاريخ الصحافة، ومع تطور فن التصوير الفوتوغرافي أصبحت له قواعد وأساليب في التعبير، لذلك احتلت الصورة الفوتوغرافية مكانها بين الفنون وأدوات التعبير وأصبحت تؤدي دوراً في الاتصال لا يقل أهمية عن دور الإعلام، بل ربما أكثر تعبيراً من الألفاظ أحياناً.
بعدها انتقل المحاضر إلى أهمية الصورة في الصحافة، مؤكداً أنه لا يستطيع أحد أن يتخيل أو يقبل جريدة تصدر هذه الأيام وهي خالية من الصورة، لأنها تشكل نصف الخبر وأحياناً تشرح الخبر كاملاً، كما يمكن إضافة عدة أسطر قد تكون مجرد توضيح لبعض الغموض فيها بعين المصور ومفهومه. وأشار إلى أن التصوير الصحفي كفن شهد تطورات كبيرة نقلته من المرحلة الجمالية كفن لا يهتم فيه الفنان إلا بالشكل والتكوين الفني، إلى المرحلة الإعلامية كفن تطبيقي وظيفي يهتم بالقيم الإخبارية والصحفية، وبذلك بدأت مرحلة جديدة تحول فيها الاهتمام من النواحي الجمالية الخالصة إلى النواحي الإعلامية، حتى ظهر تيار صحفي جديد أطلق الصحافة البصرية أو الصحافة المصورة أو الصحافة الفوتوغرافية، وتمثل ذلك في مجلات “لوك، ولايف، وباري ماتش”.
وأكد المحاضر أن الصورة الفوتوغرافية أصبحت مادة أساسية من مواد الجريدة أو المجلة، ولم تعد عنصراً جمالياً فقط، بل عنصرا إعلاميا وظيفيا وهي خير تعبير عن الأخبار والأحداث، وللصورة الصحفية وظائف متعددة منها: الإخبارية-السيكولوجية- القيمة الجمالية.
وعن أهمية الصورة في الصحافة، بيّن المحاضر أن للصورة الصحفية أهمية قصوى في العمل الصحفي، ولا يمكن أن تلغي قيمة وأهمية الكلمة، لأن الكلمات في مواقع معنية تعتبر ذات أهمية لا يمكن أن يكون المضمون بدونها، لذا كان هناك ما يعرف بتعريف الصورة أو الذي يفسر تاريخ التقاطها وزمنها والموقف الذي التقطت فيه ومن هنا تأتى أيضاً أهمية الكلمة.
ومن سمات عصرنا الراهن أنه “عصر الصورة”، مما يعني هيمنة الصورة وسيادتها، لأن البصر أهم وأكثر حواس الإنسان استخداماً في اكتساب المعلومات، وقوة الصورة تنطلق من مفهوم التصديق والتكذيب، لأن الرؤية البصرية هي أساس التصديق، ما يعني بالضرورة أن الصورة رسالة بين مرسل ومستقبل، لذلك لا أحد يستطيع أن ينكر دور الصورة في حياتنا سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية، إذ يشكل التصوير عنصراً أساسياً في العمل الإعلامي لما له من أهمية بالغة في توثيق الأحداث والمناسبات الرسمية وغير الرسمية، ولما يحقق من مصداقية في الأخبار والتقارير الإخبارية، فهو يعد من الأمور الأساسية في العمل الإخباري أو العمل الإعلامي.
وختم المحاضر بالتنبيه إلى خطورة وسلبيات الصورة التي أصبحت تتلاعب بالعقول، وتفصل متابعها عن العالم الحقيقي، بالإضافة إلى أن صناعة الصورة أدت إلى هيمنة ثقافة المظهر والشكل، والإبهار واللمعان والاستعراض، على حساب ثقافة الجوهر والمضمون، والقيمة والعمق، وهذا يتطلب وعيا معرفيا لدى المتلقي كي لا ينجر وراء الصور المفبركة وما تخفيه من معلومات مضللة.
بين الواقع والحقيقة
وتحدث رئيس هيئة تحرير صحيفة البعث د.عبد اللطيف عمران حول الاختلاف بين الصورة التي تحمل معنى الواقع وصورة الحقيقة، وفيما يخص التقنيات يكفي أن تكون الصورة مستوفية للشروط من حيث اللون والإضاءة والزاوية ومساحة اللقطة إضافة لتحقيق المعنى المراد منها. ويجب أن تكون الصورة جملة بصرية مستقلة لها قولها المكثف، أما فيما يخص النشر في الصحيفة فلم يكن هناك وعي كامل لفهم الصورة ودلالاتها في خدمة الحدث أو المقال الصحفي.
حنين ومبادرات غائبة
كما لفت د.عمران إلى الحنين لدى البعض لصورة الأبيض والأسود التي تحمل جمالية خاصة وهي تخدم صفحات الصحيفة كلها، خاصة إذا كانت مختارة بدقة، فوظيفة الصورة الأساسية أنها مكملة للمادة نفسها، ورأت مداخلة أخرى أن هناك غياب للمبادرات من قبل المصورين لتثبيت رؤية معينة وطباعتها على الورق ويمكن في بعض الأحيان إرفاقها بتعليق مع عنوان صغير يشد الانتباه.
ومن حيث قراءة الصورة كان هناك رأي حول القراءات المتعددة حيث أنها غنية بالدلالات، لذلك لا بد من دور حقيقي وفاعل لقسم التصوير في أي صحيفة وتحرير صور جديدة تخدم قسم الأرشيف عوضاً عن أخذ صور مكررة بشكل دائم، وعلى المصور التواجد في كل الفعاليات واقتراح مبادرات خاصة تخدم الجريدة، فالتصوير الفوتوغرافي يحتاج إلى مصور يتمتع بحرفية عالية وإبداع وذكاء.
صعوبات
وكان للمصورين رأيهم بما طرح حول مسؤوليتهم عن توفير صورة جيدة تخدم العمل الصحفي، فتحدثوا عن صعوبات ومعاناة في أداء مهامهم من حيث وسائل النقل وعدم توفر الظرف الذي يسمح بالتقاط الصور دائماً. أما رؤساء الأقسام فأكثر ما يعانون منه هو اختيار صورة مناسبة للمادة الصحفية، وإن تواجدت من قبل المصور فاسمه يحذف فتبدو وكأنها مأخوذة من الأرشيف أو الانترنت، والمعاناة اليومية في البحث عن الصورة، وكانت الاقتراحات بإقامة دورات خاصة لإتقان فن التصوير بحرفية للمحررين ليتم الاعتماد عليهم كمصورين يخدمون مادتهم إذا اضطرتهم الظروف، بالإضافة إلى التعامل مع أي حدث عن طريق صورة بطريقة غير مباشرة والاهتمام برسالتها، وفي النهاية كان التركيز في الصحيفة على الصور الخاصة والاهتمام بالتقنية العالية والجودة، وإن فقدت يمكن العمل على آلية تركيب صورة تخدم محتوى المادة.
جمان بركات