أخبارصحيفة البعث

تقرير إخباري قضيتان وسياستان…

 

أظهرت قضية تسمم العميل الروسي المزدوج سكريبال عداء الغرب لروسيا التي اعتبرها مذنبة لا تستحق أي رحمة، بينما أظهرت قضية مقتل   الصحافي السعودي جمال خاشقجي تعاطف هذا الغرب مع سلطات آل سعود، والعمل على قدم وساق لتبرئتها من الجريمة، والبحث عن كبش فداء لتحميله المسؤولية ومحاسبته.

حقيقةً،  تتشابه قضية خاشقجي في كثير من النقاط مع قضية سكريبال التي اجتمعت لندن والدول الغربية لاتهام المخابرات الروسية بمحاولة اغتياله. في كلتا الحالتين (والافتراض نظري فيما يخص قضية سكريبال) قام عملاء أجانب بالدخول إلى دولة ذات سيادة خلسةً لاغتيال “مواطنين” سابقين في انتهاك صارخ للقانون الدولي، مع وجود تقارب في القرائن، فقد وجّه الغرب التهمة لشخصيتين تنتميان إلى الاستخبارات الروسية، مستنداً إلى صور كاميرات المراقبة التي  أظهرت حسب زعم لندن وصولهما على متن طائرة لندنية عشية حادثة التسمم، وسارا في شوارع ساليزبوري في اليوم نفسه.

القرائن التي تتهم العملاء السعوديين الخمسة عشر دامغة: وصولهم إلى تركيا على متن رحلة منتظمة في يوم حادثة الاغتيال؛ ورحيلهم بعد بضع ساعات على متن طائرة خاصة بمجرد الانتهاء من المهمة؛ ووجود طبيب شرعي في الفريق الذي، وفقاً للصحافة التركية، قام بتقطيع  خاشقجي بمنشار العظام، وهو يستمع إلى الموسيقا في مسرح الجريمة، القنصلية.. كل ذلك أظهرته كاميرات المراقبة.

في قضية سكريبال، وبعد يوم واحد فقط سارعت لندن إلى الإعلان عن تورط روسيا قبل انتظار نتائج التحقيق، أما في قضية خاشقجي، فقد كانت ردة فعل الولايات المتحدة والغرب إزاء الجريمة المروعة التي ارتكبها عملاء سعوديون مغايرة تماماً، وهي انتظار نتائج التحقيق!.

منذ اختفاء خاشقجي تلقت مملكة آل سعود إشارات دبلوماسية مشفرة منها زيارة وزير الخارجية الأمريكي، وبيان باريس ولندن وبرلين للتعبير عن القلق، وقرار ألمانيا تعليق مبيعات الأسلحة للسعودية، وبيانات غامضة من واشنطن النظر في فرض عقوبات محتملة ضد سلطات آل سعود، وفي الوقت عين، أكد ترامب على أهمية العلاقات الاستراتيجية مع الرياض.

في حالة سكريبال، سارع الغرب إلى دعوة مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع طارئ، وشرع في الأسابيع التالية في طرد الدبلوماسيين الروس، ولكن في حالة خاشقجي، واشنطن ليست مستعدة فقط لانتظار “معرفة ما حدث بالضبط”،  بل طالبت  العواصم الأوروبية السلطات السعودية بأدب إجراء تحقيق “موثوق و”شفاف”، وعليه حاولت واشنطن والدول الغربية بشتى الوسائل تبرئة السلطات السعودية، وعلى رأسها محمد بن سلمان، من دم خاشقجي بكل وصلف، على الرغم من ظهور أدلة جديدة تؤكد تورط بن سلمان في الجريمة. علاوةً على ذلك، أراد الإعلام الغربي والإسرائيلي إظهار ولي العهد السعودي كمصلح عظيم، وهو الذي منح لنفسه سلطة مطلقة على حساب الفروع الأخرى للعائلة المالكة، كما دفع ابن عمه، الملياردير الوليد بن طلال للخروج من اللعبة السياسية بشكل تام، واعتقل العشرات من الأمراء السعوديين، وزجهم في سجونه لإزاحتهم عن طريقه، وابتزازهم إلى أقصى درجة لتعويض الفاتورة الباهظة التي دفعها لإدارة ترامب لقاء حمايتها لمملكتهم. هنا تتجلى سياسة ازدواجية المعايير المعهودة التي “يتحلى بها” هذا الغرب والذي يرمي الاتهامات جزافاً على من يعتبرهم خصومه، ويحولهم إلى مجرمين، بينما يدافع بشراسة عن أنظمة استبدادية وقمعية، ويحاول إظهارها كالحمل الوديع طالما أنه يقبض الثمن الباهظ من نفطها وثرواتها.

هيفاء علي