هل الرقميات إنسانوية جديدة؟
سيرج تيسرون
ترجمة ليلى الصوَّاف
يمكن اعتبار الرقميات بمثابة تكنولوجيا إلا أنها أيضاً أداة قطع جذري. هذه هي وجهة نظر ميلاد دويهي مؤرخ الأديان الذي يتحدث عن الإنسانوية الرقمية وعن سيرورات تمدينية تتعلق بها، بل وحتى عن إنسانوية جديدة تدخل في منافسة مع الأديان. وهي على شاكلة الأديان، تطمع إلى أن تسود الكوكب بكليته، إنسانوية تعيد تشكيل حركات الجسد وتخلق حالة داخلية جديدة لا تقوم على الاستبطان التقليدي، بل تتحدد بمعايير فيزيولوجية، تتعلق على وجه التحديد بوظائف عقلنا. إنسانوية تنطوي، مثل الأديان، على وعد جديد بالأبدية.
يقول دويهي: يقوم الرقمي بإعادة تشكيل للحالة الداخلية. بداية، أصبحت الحالة الداخلية شبه مرئية بفضل الإظهار للعيان الذي سمحت به العلوم المعرفية والعلوم الرقمية. لكن ما يهمني أكثر هو أن الآلة بدأت تصل إلى أشكال غير مسبوقة من الحالة الداخلية. إذ أخذت الآلة تتمتع بنوع من الاستبطان الجديد الذي سيمكننا من الوصول إلى بعض أوجهها التي لا ترتبط ببرمجتها الأولية، وإنما بما نسميه التطور غير المتحكم به، وبنوع من الحوار بين الإنسان والآلة، في جميع الأحوال، حوار مع الآلة المتعلِّمة اليوم.
في البداية كان الحديث عن إنسانوية رقمية صيغة أريدَ لها أن تكون استفزازية، إلا أنني متمسك باعتقادي أن الرقمي هو نوع من الإنسانوية وذلك لعدة أسباب. بداية، لأننا نرى جيداً أن الروابط الاجتماعية هي التي تحرك الآلة الرقمية اليوم، حتى وإن أثبتنا وجود تأثيرات ذات إشكاليات، فإننا سنبقى ضمن بناء الرابط الاجتماعي. أما البعد الآخر فهو الالتقاء بين التقني– الذي أصبح رقمياً اليوم- وبين الإنسان. بالنسبة لي، يمكن أن يفسح هذا الالتقاء المجال لطريقة أخرى لفهم الإنسانوية وعرضها، لا لتخيلات أو أيديولوجيات بَعدُ إنسانية. أول الجوانب المهمة هو البعد الأخلاقي للمعلوماتية، ولكن ليس بمعنى ضبط أو تنظيم التقنيات. أحب مقارنة الأخلاقيات بالمعلوماتية، حتى وإن بدا هذا أمراً غير مألوف!
تأتي قوة المعلوماتية من كونها انطلقت من ملاحظات محددة وضعها تورينغ Turing والمعلوماتيون الآخرون أي: عدم اكتمال المنطق الصوري. يبدو لي أن الأخلاقيات تسهم في عدم الاكتمال هذا، وهذا ما يشكل قوَّتها، وفاعليتها، وقيمتها. الأخلاقيات والمعلوماتية كلتاهما مفتوحتان بشكل أساسي، عندما تكون الأخلاق والمحرك الانفجاري مغلقان.
بالنسبة لي، ليس الرمز المعلوماتي هو المجال الأثير لدى المعلوماتيين، والمهووسين بالمعلوماتية أو الخبراء، إنه خطاب مثله مثل غيره، مقروء ويمكن الوصول إليه. والرمز هو أيضاً شيء شعري مثل اللغة، وإذا كانت لدي نصيحة أسديها في العام 2018 فهي التوقف عن الحديث عن الذكاء الاصطناعي لمدة عام! إنه أمر متعب جداً، والتوقف عنه سيكون جيداً للجميع وخصوصاً للناس المهتمين بالذكاء الاصطناعي.