دراساتصحيفة البعث

بعد “الثلاثاء الكبير”.. ترامب هو الأوفر حظاً

ريا خوري

من الواضح أن السباق الرئاسي في الولايات المتحدة قد بلغ حداً ظهر فيه من يحقّ له السباق إلى البيت الأبيض فكأن (الثلاثاء الكبير) قد فصل الكثير من الخلط، حيث يبدو الطريق سهلاً ومعبّداً أمام الرئيس السابق دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري  لمواجهة الرئيس الحالي جو بايدن من الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقرّرة يوم الخامس من تشرين الثاني 2024م.

فقد فاز ترامب بأغلبية الولايات خلال (الثلاثاء الكبير)، وبالتالي وعد أنصاره بالعودة إلى البيت الأبيض بعد انتخابه ليجعل الحزب الجمهوري والولايات المتحدة الأمريكية (أفضل وأقوى)، وهذا ما دفع بايدن إلى التحذير من (عودة الانقسام والتجزئة اللذين ميّزا عهد ترامب) بين 2016 و2020.

وأشارت النتائج الأولية غير النهائية للانتخابات التمهيدية التي تم تنظيمها في خمس عشرة ولاية وإقليم واحد فوز ترامب باثنتي عشر ولاية على الأقل. وبهذا، يكون الملياردير اليميني المتشدّد قد قطع شوطاً سياسيا كبيراً بعدما تغلَّب على جميع منافسيه الجمهوريين الذين ترشحوا للانتخابات الرئاسية التمهيدية، بما في ذلك سفيرته السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، وهذا ما دفعه إلى التعليق على نتائج ذلك اليوم بقوله: إنه سيقود الولايات المتحدة الأمريكية للعودة إلى الازدهار والسلامة. وفرض نفسه مرشحاً رئيسياً قوياً للجمهوريين في مواجهة خصمه الديمقراطي، الذي سيحاول جاهداً فعل المستحيل كي يفوز بولاية ثانية بدعم من الحزب الديمقراطي، وبدعوات أصدقائه وحلفائه في القارة الأوروبية الذين لا يريدون أن يعيشوا مجدّداً كابوس ترامب في البيت الأبيض.

لقد كان لنتائج الانتخابات الأولية صدىً كبير لدى الأمريكيين ولدى العالم من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وما يمكن أن تحمله من مفاجآت غير محسوبة، والجميع يسلّم بأن ترامب سيستمر في سياساته التي نفّذها في ولايته الأولى، وخاصة فيما يتعلق بمواقفه من قضايا حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا الاتحادية والصين وقضايا الهجرة، والجمارك، والمناخ، والعلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي،  وأوضاع الشرق الأوسط الساخنة، وقد يكون هذا الأمر صحيحاً ومبعث حذر وقلق لحلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة أكثر من خصومها الآخرين، لكن شخصية ترامب ليست شخصية نمطية يمكن أن تكرّر ذاتها إذا فاز بولاية رئاسية ثانية. وعلى الرغم من أن تصريحاته المتتالية وحملاته الانتخابية الصاخبة تستعيد بقوة ما كان يقوله قبل نحو ثماني سنوات، إلّا أنَّ ما يحاول خصومه وأعداؤه طمسه وإغفاله، أن ترامب رئيس واقعي، ويتفاعل مع المستجدات السياسية والعسكرية والاقتصادية المحلية والدولية، ولا يريد أن يتحداها كما فعل جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، قبل أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً مضت.

بين الرئيسين بايدن وترامب، خلافات عميقة لها جذورها السياسية بوقتٍ مبكِّر، وحرب تصفية مؤلمة تتسع مع احتدام المنافسة حول البيت الأبيض، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي ستحسم الجدل. وبينما يحاول الرئيس الحالي أن يُظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال  في نعمةٍ وخير واستقرار، وما زالت تتحكم بقيادة النظام الدولي، وتهيمن بقوة على العالم وتنفق بسخاء على حلفائها وأصدقائها لفرض الهيمنة عليهم، وتموِّل النزاعات والحروب الدامية التي تخدم مصالحها دون غيرها، يقف خصمه الجمهوري على النقيض من كل ذلك، ويؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعُد دولة عظمى، بل باتت أكبر دولة تتراكم على حكومتها الفيدرالية ديون تجاوزت خمسة وثلاثين تريليون دولار أمريكي، وأن مهمّته كرئيس  جديد للولايات المتحدة هي أن يستعيد القوة والمنعة والعظمة الأمريكية عبر التخلص من كل المعيقات والأعباء الخارجية، والكف عن تأدية دور شرطي العالم، وأهم موقف له موقفه من الحرب في أوكرانيا.

لقد وُصف دونالد ترامب من خصومه بأنه ظاهرة شعبوية خطرة، لأنه يميني متشدّد، أما في جوهره فهو تعبير عن حالة أمريكية متدهورة وتعاني من الضعف والوهن المغطى بظلالٍ من القش، وقوة عظمى تآكلت على مر السنين بما يكفي، وباتت مضطرة إلى الاعتراف بشكلٍ علني بأن العالم الذي تفرض الولايات المتحدة سطوتها عليه قد اختلف، ولم يعُد بإمكانها أن تقود العالم كقطب أوحد، وإذا كان ترامب لا يصرّح بهذا الأمر في العلن، فإن أفكاره ونهجه وتوجهاته السياسية تعبّر عن ذلك، وشعاره الرئيسي (أمريكا أولاً)، يؤكّد انتهاجه سياسة واقعية يتبناها بقوة تمثلت أكثر من مرّة في الانسحاب من أزمات العالم الساخنة إذا لم تكن هناك قدرة على التصدي لها أو منعها، أو إيجاد حلول مناسبة لها تخدم المصالح الأمريكية، فالجميع إذن ينتظر التحوّلات الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية القادمة.