المطلـــــوب أكثـــــــر
احتفت الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية بزيارة الرئيس البشير إلى سورية، كل على طريقته ورؤيته. وإلى اليوم وبعده لاتزال نتائج الزيارة وستبقى موضع تساؤل وترقّب نظراً إلى الآمال المعقودة عليها ولاسيما من جهة أن الساحة العربية ملأى بالجراح، وطافحة بالتطلع إلى الخلاص من هذا الواقع العربي المرير. من هذا القبيل كان تأكيد الرئيسين الأسد والبشير على أن «الظروف والأزمات التي تمرّ بها العديد من الدول العربية تستلزم إيجاد مقاربات جديدة للعمل العربي…. تكفل تحسين العلاقات العربية – العربية بما يخدم مصلحة الشعب العربي».
في هذا السياق أظهرت متابعة وسائل التواصل الاجتماعي بُعيد الزيارة توق الشارع العربي إلى نتائجها الطيبة والمتوخاة، وبيّنت هذه الوسائل أن هذا الشارع العروبي بأكثريته، يدرك ثقل سورية ودورها المعهود والتاريخي في دعم مؤسسات العمل العربي المشترك والأمن القومي العربي، وكذلك المشروع القومي العربي، فحتى الأجيال الطالعة إلى المستقبل تتغنى بالمعاني التي يختزنها، بل يكتنزها، القول: سورية قلب العروبة النابض، القول العروبي الخالد للرئيس جمال عبد الناصر، ولذلك أوضح الرئيس البشير خلال الزيارة أن «سورية دولة مواجهة وإضعافها هو إضعاف للقضايا العربية… وهي بالرغم من الحرب بقيت متمسّكة بثوابت الأمة العربية».
ومن منطلق الثقة بالروح العروبية التي إن هي خبت وخفتت، فإنها لا، ولن تموت، فالأمة العربية كانت وستبقى بحضارتها وأصالتها وأجيالها أمة حيّة طالما انتفضت من رماد التحديات، وبعثت مجداً وألقاً متجدداً في وجه تحديات التاريخ والحاضر، تحديات الوجود والمصير والحدود والهوية والوعي، وفي هذا كان الرهان دائماً على الأفق الحضاري الواسع والغني والمتنوع للعروبة. هذا الأفق الذي كان ولايزال وسيبقى فيه لسورية – كما يعرف العرب والعالم – المركز والثقل والدافع والمدافع أمام خطأ الرهان على الغرب، لذلك بقيت سورية – كما أكد الرئيس الأسد خلال الزيارة – «مؤمنة بالعروبة متمسكة بها… ولن يأتي تعويل بعض الدول العربية على الغرب بأي منفعة لشعوبها، لذلك فالأفضل هو التمسك بالعروبة وبقضايا الأمة العربية»، فلا لليأس ولا للاستسلام ولا للتطبيع. فلا بد من عودة الأرض والحقوق والمقدسات، ومعها الهوية والوعي، ما يعني: لا بد من المقاومة.
فالزيارة، وزيارة الأشقاء العرب متوقّعة، وهذا من قبيل صدق الرهان – بتفاؤل – على الروح العروبية. وهذا التوقّع مقترن بالضرورة، فلا أحد مستفيد من هذا المشهد المؤلم الجارح للشعور والمصير، للتاريخ والمستقبل، ولا أحد مستفيداً منه، والجميع متضرر.. فإلى متى؟!
حضور سورية في الساحة العربية منشود، لأنه ضروري وأساسي، فهو حضور مقترن بالثوابت والمبادىء والأهداف، وقد أكد التاريخ الحديث والمعاصر أن عاقبة الخلاف مع دمشق تعود بالفشل والخسارة على المخالف، لأنه يخالف المصالح الوطنية والقضايا القومية، فدمشق احتضنت المشروع العروبي، واحتضنت الأشقاء من الأقطار العربية حين لجؤوا إليها من فلسطين ولبنان والعراق والكويت… ولم تطلب أو تقبل دعماً مالياً من الأمم المتحدة، ولا من الدول المانحة. هذا ليس منّة، بل هو واجب، وإنما المسألة تذكير فقط وتأكيد.
وحضور سورية ضمانة للنجاح في مواجهة التحديات المشتركة التي تهدد الأوطان والأمة وأهمها التحدي الصهيوأطلسي… وهنا يتأكد الخطأ بل الخيانة في لجوء بعض المثقفين والسياسيين والأنظمة إلى أحضان العواصم الاستعمارية التي طالما ناهضت الحق العربي، والمشروع القومي العربي في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وتركيا، فأي ثورة وأي احتجاج أو تطلع وطني عروبي يرتجي هؤلاء فيه المدد من هذه العواصم.
لنلاحظ بالأمس وعلى سبيل المثال تناقض تصريحات السياسيين الأتراك قبيل وبعيد زيارة البشير، تناقض أردوغان ووزير خارجيته، فقد عاد أردوغان ليظهر مجدداً مؤكداً معاداته للعروبة باعتباره صاحب مشروع إخواني عثماني بغيض ينطوي على عصبية مريضة عرقية ومذهبية يعمل على أن تكون ممتدة على الساحة العربية، إذن فبئس الرهان على أنقرة وباريس ولندن وواشنطن… وعلى ذيولها…، والبائس والخائن والمهزوم هو من يراهن عليها في أي خطوة من خطوات المسار السياسي ولاسيما في لجنة مناقشة الدستور.
إن الآمال المعقودة على نجاح الزيارة – كنسق – مقترنة بمنجزات صمود سورية قائداً وجيشاً وشعباً. وبعيداً عن «اللغة الانتصارية» التي نحيطها بالحذر دون أن نستهجنها لأنها تعزز الأمل والصمود والمقاومة في هذا المعترك المصيري الصعب، فهذه اللغة يفرضها الواقع والثقة بالنفس، بالوطن، بالأمة.
في أغنية إسبانية مشهورة يخاطب الشاب حبيبته: أحبك كثيراً، ويتوقّع إجابتها: وأنا أيضاً، لكنها تفاجئه بقولها: أريد أيضاً أكثر…. وهكذا نحن نريد ونطلب من الأشقاء أكثر، بل الكثير من العمل سوية لتجاوز المخاطر المحدقة بالأوطان وبالأمة.
د. عبد اللطيف عمران