لِمَ نُبجل ملالا ونترك عهد التميمي؟
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “كَمِنْ دريمز” 15/12/2018
بعد أن أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص المطاطي على ابن عمها البالغ من العمر 15 عاماً وأصابته في رأسه في كانون الأول الماضي، وقفت عهد التميمي، وهي فتاة فلسطينية من قرية النبي صالح في الضفة الغربية، في وجه القوات الإسرائيلية المحتلة وأُلقي القبض عليها بتهمة صفع جندي، وانتشرت قصة هذه الناشطة كالنار في الهشيم. لكن ما كانت تناضل عهد لأجله دُفن أسفل تصويرات إعلامية “تُشيطنها”!.
ومن المستبعد أن تُروى قصتها بالمستويات العالية نفسها التي حظيت بها قصة ملالا يوسفزي، الفتاة الباكستانية التي نجت من هجوم وحشي نفذته طالبان على مدرستها، رغم أن عهداً وملالا تُناضلان في سبيل الحقوق والحريات نفسها، فكلتاهما يافعتان تواجهان قمعاً عسكرياً وحشياً على أيدي رجال مسلحين، ومع ذلك وصلت قصتاهما بشكل مختلف تماماً!.
إن الأسباب الكامنة وراء استجاباتنا المعقّدة لقصتي ملالا وعهد متعددة الطبقات بقدر الواقع السياسي الذي تعيشانه، والذي يتضمن مجموعة من الأفكار حول “الجندر” والأطفال، الإناث والقومية والتعليم، ويتمحور حول أشكال مستساغة من النشاط السياسي، وبالتالي يُصنَّف بعضها بأنه شرعي والآخر غير شرعي.
وترفض كلّ من ملالا وعهد أن تكونا ضحيتين، فقد كرست ملالا حياتها للدفاع عن تعليم الفتيات، وتساعد قصتها في إرسال رسائل قوية وملهمة للفتيات في جميع أنحاء العالم، بينما حوّلت عهد الحالمة بأن تكون محامية كباقي فتيات فلسطين وحدة السجون الإسرائيلية، حيث كانت محتجزة، إلى مدرسة، فقرأت وغيرها من الفلسطينيات السجينات النصوص القانونية ودرسنها.
لكن منصة ملالا كانت تصدح بقصة يمكن أن تدعم وجهات النظر العالمية الإمبريالية وتُبرّر التدخلات العسكرية في آسيا. ووفق ما كتبت الباحثة مايا مكداشي، فإن استخدام السياسيين لخطاب حول إنقاذ النساء والأطفال في الشرق الأوسط يُعدّ أحد السبل التي تستقطب فيها الليبرالية المشاعر الغربية للحصول على دعم “للحرب على الإرهاب” التي تقودها الولايات المتحدة.
ويعتبر الغرب أن عهداً شخصية متسلطة وصعبة المراس، وهي بالمجمل فاسدة بسبب نضال شعبها لاجتذاب التعاطف الليبرالي في الغرب، وأنها تبعاً للأستاذ يوزيفا لوشيتزكي شديدة الشَقار، ويصفها لوشيتزكي كشخص يشوش المنطق الجنساني والعرقي للاحتلال الإسرائيلي.
وهذا لا يعني أن ملالا لا تستحق المنصّة التي حظيت بها، ولكن في الوقت الذي نتغنّى فيه بدفاع ملالا عن تعليم الفتيات، يجب أن نسأل لمَ لا يتم توسيع هذه المنصة ليعتليها أطفال كعهد، وأي شيء أقل من ذلك يُسيء لهم.
لحالة ملالا باعتبارها قضية قيّمة علاقة مهمّة بحالة عهد كاستثناء لهذه القضية، وتوضح الاختلافات بين طريقتي استقبال قصتي ملالا وعهد في السوق الثقافي العالمي هذه النقطة بشكل قاسٍ: يكسب نشاط ملالا السياسي جائزة نوبل، ويأخذها إلى أوكسفورد، في حين أن نشاط عهد أوصلها إلى سجن إسرائيلي.
كتبت الأستاذة شينلا خوجا مولجي، مستخدمة مفردات رنانة، إن كفاح عهد، والطريقة التي همّشته فيها جماعات حقوق الإنسان والجماعات النسوية في الغرب، “يفضح الإنسانية الانتقائية لدى الغرب”.
ظهرت قصة ملالا محاطةً بسياسات الأمل التي ميّزت حملة باراك أوباما، وفازت بجائزة نوبل في 2014، وفي 2016، انتُخب ترامب، وحُرمت عهد من تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لتكون جزءاً من الجولة الخطابية بعنوان “لا طفل خلف القضبان/ المقاومة الحية”.
وبمقارنة عهد بملالا، نقترب من فهم الحدود وحتى فشل الرؤى الليبرالية للتقدم الاجتماعي في القرن الحادي والعشرين، فعهد هي حالة كلاسيكية تشرح كيف يُثير عمى الليبرالية الأمريكية الاستياء في جميع أنحاء العالم. وتطوف دعوة ملالا في اقتصاد نيوليبرالي أصبحت فيه معظم قيمة قصتها تدور حول قدرة الفرد في التغلّب على الصعوبات الشديدة وإحداث تغيير اجتماعي ضد عدو يحتقره الغرب، وتتمّ في هذه الصفقة إدارة السياسة التي تستثمر معاناتها عبر التركيز على قصة حياتها الشخصية التي تدور حول النجاة.
ويعني هذا في قصتها تكفيراً لذنوب الغرب، الذي تمّ تخفيف دوره في العنف الذي أضرّ بها (وآلاف من مثيلاتها) عبر جهوده في رفع شأنها.
تجد وسائل الإعلام الغربية والآلات السياسية في قصة كفاح ملالا من أجل الحق في التعليم قصةً تتناغم بقوة مع الحجج المستخدمة لدعم الغزو العسكري لأفغانستان بقيادة الولايات المتحدة.
ومن هذا المنطلق، تمّ دمج رسالة ملالا بفكرة النيوليبرالية أن بإمكان الجميع الحصول على الفرص نفسها، طالما أنهم يتبعون الإجراءات المناسبة، وفي حالتها، عبر محاربة أحد أعدائنا، تكسب ملالا إمكانية الحصول على اعتراف، بما في ذلك الدخول إلى أقدم جامعة في البلد الذي استعمر باكستان سابقاً.
على نقيض ذلك، لا تستطيع عهد أن تقدّم معاناتها بطرق تستميل الخيال الليبرالي الأبوي، ولا يمكن لقصة عهد أن تُضَمّ إلى العمل مزدوج الوجه الذي تتسم به النيوليبرالية والتنمية العالمية والتدخل العسكري.
وعدو عهد، أي الجيش الإسرائيلي الذي يواصل احتلاله العسكري غير القانوني لبلدها ويعمقه، نادراً ما يمكن الاعتراف به في المناقشات الغربية دون توجيه اتهامات بامتلاك مشاعر معادية لليهود.
إن ابتسامة عهد في هذه الصور تزعزع المفاهيم الليبرالية عن المعاناة التي تفصل حقوق الفرد عن مُنْتِجَاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإننا نراقب من الغرب قلقين، فنحن متورطون في صنع الصورة الزائفة للعدالة الليبرالية.