دراساتصحيفة البعث

أمريكا لا تحارب “داعش”

ترجمة: سمر سامي السمارة
بقلم ستيفن ليندمان 13/12/2018
بتحدٍّ صارخ للحقوق السيادية للدول والمبادئ الأساسية للقانون الدولي ولدستور هذه الدول، اعتبر المتشدّدون من كلا الحزبين في واشنطن أن كافة المناطق التي تحتلها قوات البنتاغون هي أراضٍ أمريكية افتراضية، خاضعة لإرادتها بموجب قواعدها. هذه الغطرسة والغرور هي من تحدّد كيفية عمل الهيمنة، وهذا هو الأمر الذي لا تذكره وسائل الإعلام الغربية أبداً.
ينشغل الأمريكيون عادةً بالألعاب الرياضية وغيرها من وسائل التسلية، وهو ما ذكره نيل بودمان في كتابه “التسلية التي تؤدي إلى الهلاك”، قائلاً: “الأمريكيون هم أكثر الشعوب تسلية وأقلهم معرفة”. وأكده رئيس جامعة بوسطن دانيال مارش حين أشار في الخطاب الذي ألقاه أثناء حفل تخرج في شهر حزيران 1950 إلى لعنة البروباغندا الإعلامية قائلاً: “إذا استمرت البروباغندا الجنونية.. فسيكون قدرنا أن نكون أمة من الأغبياء”. وشاركه الرأي الكاتب والتر ليبمان الذي وصف الجمهور “بالقطيع الضال”، مضيفاً: وتتمثّل وظيفتهم بأن يكونوا متفرجين على صنّاع السياسة (وليس) مشاركين!.
معظم الأمريكيين يفشلون في التركيز على الأمور الأكثر أهمية، مما يجعل من السهل على قوى الظلام في واشنطن أن تقوّض حقوقهم ورفاهيتهم، ولاسيما منذ هيمنة النيوليبرالية في تسعينيات القرن الماضي. وما يجري اليوم في عهد الجمهوريين والديمقراطيين الذين لا يتمتّعون بأي شكل من أشكال الديمقراطية، من تواطؤ وثيق بسبب مصالحهم ذات النفوذ الكبير، هو كل ما تعنيه أميركا بالضبط، ديمقراطية خيالية غير حقيقية.
ونذكّر هنا بما تتقاسمه أوكرانيا وسورية كونهما في عين العاصفة. فقوات كييف المسلحة والمدرّبة في الولايات المتحدة، التي تمّ حشدها على طول الحدود مع دونباس، تستعد لشنّ هجمات بموجب أوامر من ترامب. كان من المحتمل أن يكون الاستفزاز الأوكراني في مضيق كيرتش في 25 تشرين الثاني الماضي مقدمة لما كان مخططاً له، حيث تسيطر واشنطن على النظام العميل، وتستخدمه كخنجر ضد روسيا وشعب دونباس. وفيما يتعلّق بسورية أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن الأراضي التي تحتلها قواتها بشكل غير قانوني في الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد خارج نطاق تدخل دمشق.
طوال فترة الحرب، استمر نظام أوباما والآن إدارة ترامب بدعم “داعش” التي يتظاهر المسؤولون الأمريكيون بمعارضتها، إضافة لدعم “جبهة النصرة” وباقي العصابات المسلحة في سورية الذين تستخدمهم بيادق لها لشنّ هجمات على الجيش السوري. ويبدو من هذا التوجّه أن واشنطن تعتزم القيام باحتلال دائم للبلاد، فقد أصدر المتحدث باسم البنتاغون شون روبرتسون بياناً قال فيه: “إن أيّ عمل عسكري أحادي الجانب في شمال شرق سورية (الأراضي التي تحتلها في الجنوب الغربي) من قبل أي طرف، وخاصة في منطقة يحتمل وجود جنود أمريكيين أو وجودهم في المنطقة المجاورة، يشكل مصدر قلق بالغ وسنعتبرها أعمالاً غير مقبولة”.
وكان الرئيس الأسد قد وصف القوات الأمريكية في سورية “بالغزاة”، الذين يحتلون بشكل غير شرعي أراضي لا ينتمون إليها، مخالفين بشكل سافر القرارات الشرعية والقوانين الأمريكية.
كما انتقد سيرغي لافروف قبل شهور أجندة واشنطن في سورية، قائلاً: “لقد اتخذ الأمريكيون مسار تقسيم البلاد، وتخلّوا عن تأكيداتهم التي أُعطيت لنا، بأن الهدف الوحيد لوجودهم في سورية -دون دعوة من الحكومة الشرعية- كان لهزيمة “داعش” والإرهابيين، لكن يعرف فلاديمير بوتين ولافروف ومسؤولون روس آخرون أن الولايات المتحدة تدعم تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية في سورية، كما هي الحال في بلدان أخرى فلا لبس حيال ذلك!.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قبل ذلك بأشهر نشرت صوراً التقطتها الأقمار الصناعية ومقاطع فيديو تظهر قوات مدعومة من الولايات المتحدة مع إرهابيين، تضمّ ما يُسمّى “قوات سورية الديمقراطية”، تتحرك بحرية في المناطق التي يسيطر عليها “داعش” في محافظة دير الزور، وأكدت وزارة الدفاع الروسية “من دون مقاومة من ميليشيات داعش تتحرك (هذه القوات) على طول الضفة اليسرى لنهر الفرات باتجاه مدينة دير الزور على الرغم من وجود معاقل للقوات المسلحة الأمريكية تتمركز على مقربة من الأماكن التي تنتشر فيها قوات “داعش” حالياً، ولا توجد أي مؤشرات على وجود أي تصادم”. كما لم تسجّل الطائرات الروسية من دون طيار أية مواجهة بين القوات الأمريكية وإرهابيي “داعش” الذين تتظاهر واشنطن بمواجهتهم. ومن ناحية أخرى، اتهم المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيجور كوناشينكوف، القوات الأمريكية في جنوب سورية بالسماح لـ”داعش” وإرهابيين آخرين باستخدام قاعدة التنف التي أُنشئت بشكل غير قانوني كمنصّة لشنّ هجمات على الجيش السوري وعلى المدنيين.
يستمر العدوان الأمريكي على سورية، على الرغم من مرور سنوات من محادثات جنيف وأستانا وسوتشي التي تهدف لإنهاء الحرب على سورية، وتفشلُ وسائل الإعلام الغربية في تفسير الواقع للمراقب الغربي، وهو هدف واشنطن لاستبدال جميع الحكومات ذات السيادة بدمى موالية للغرب!.