من أجل البقاء.. النفط مقابل الغذاء
ميلاد عمر المزوغي
كاتب من ليبيا
الأوضاع المعيشية تزداد تأزماً، مبيعات النفط تخطّت حاجز المليون برميل يومياً، ناهيك عن أنبوب تصدير الغاز الذي لم يتوقف تدفقه، أما عن الإيرادات، فاسأل عنها كبريات النزل وأماكن الترفيه الصيفية والشتوية بمختلف الدول وخاصة المجاورة لنا، متصدّرو المشهد السياسي جالوا على مختلف الدول بهدف إيجاد حلول للأزمة في ليبيا، ولكنهم في الحقيقة يسعون وبكل ما أوتوا من دهاء وبلادة وقلّة حياء، للاستحواذ على أكبر كمية من أموال الشعب الليبي وإيداعها في حساباتهم الخاصة بالدول التي نصّبتهم، فالقرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود الذي نتمنى أن يأتيهم قريباً، وتنتهي مأساة شعب بأكمله.
ربما طيبة الشعب وعدم لجوئه لاستخدام السبل المؤدية إلى التغيير سلمياً (التظاهر والوقفات الاحتجاجية) كانا السبب الرئيسي في إيصاله إلى هذا الوضع، البعض لم يعد يقوى على العيش البسيط فأخذ يشحذ على الطرقات، آخرون لم يستطيعوا الإنفاق على أبنائهم لأجل مواصلة الدراسة، فأجبر هؤلاء الأبناء على أعمالٍ لا تتناسب وبنيتهم الجسمية والعقلية، وأصبحوا عرضة للوقوع في أحضان تجار المخدرات وأعمال الرذيلة، أي أن جيلاً بأكمله يسقط من الركب وتتوقف عملية البناء، عندها لن تكون هناك فائدة من عملية إعادة الإعمار التي يترقبها الكثيرون، فبناء الإنسان يحتاج إلى وقت ليس بالقصير، إن كانت هناك فعلاً نيّة للتكفير عن الجرائم التي ارتكبتها الدول التي شاركت في تدمير البلد، وعملاؤها الذين هلّلوا وكبّروا لمقدمها.
هناك مسؤولون لم يعجبهم حديث أحد الوزراء في تونس عن الاتفاقيات بين رجال أعمال من القطرين، عندما قال عبارة (النفط مقابل الغذاء) أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وطلبوا من الوزير التوضيح أو الاعتذار؛ لأن هؤلاء المسؤولين لا يعيشون واقع طبقة الفقراء التي أخذت تتسع بفعل استنزافهم المذهل لمقدرات الشعب، فرواتبهم الخيالية وضعتهم في خانة الأثرياء، ونعتبر غضبتهم مجرد جعجعة لن تخلف طحيناً، لإيهام الرأي العام الذي أصبح يدرك مدى فسادهم وفداحة أعمالهم بأنهم يولونه كل اهتمام ولا يسمحون للغير بالتطاول عليه (غضبة مضرية)!.
الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية للعيش، يجعل البعض يتمنى أن تتولى الأمم المتحدة مسؤولية إعاشة الليبيين والكفّ عن السؤال وطلب السيولة النقدية، حيث يتمّ تجميد الأموال المتبقية إلى أن تقوم الدولة ومن ثم التصرف فيها، الأكيد أنهم وصلوا إلى درجة اليأس من تصرفات الحكام واللعب بقوت الناس، ربما فات هؤلاء البسطاء أن برنامج النفط مقابل الغذاء له عيوب، فالأمم المتحدة (في حال موافقتها على ذلك) ستعهد إلى شركات معيّنة بتوريد السلع الضرورية وهذه الشركات ليست نزيهة (كما حصل في العراق)، حيث ستذهب جلّ الأموال إلى جيوب السماسرة من أجانب ومحليين، إضافة إلى أن السلع لن تصل إلى مستحقيها، بل يوزع بعضها وتتمّ المتاجرة بالبعض الآخر ويفرخ رأسماليون جدد، وبالتالي لن يتحسّن الوضع المعيشي بالشكل المطلوب، قد يكون أخفّ وطأة ولكنه لن يقضي على المشكلة.
يبقى القول إن سلبية المجتمع هي التي جعلت الطبقة الحاكمة الفاسدة المنتهية الصلاحية تمعن في احتقار البشر وإذلالهم، ولا حلّ إلا باستبعاد متصدّري المشهد جميعهم، وتشكيل حكومة أزمة لا تضمّ في صفوفها أياً من الرموز الحاليين (الحديث عن إعادة تشكيل المجلس الرئاسي إنما هو لإطالة أمد الأزمة- أي تمديد عمر أجسام كان الأجدر توقفها عن الحياة السياسية منذ فترة وإحالتها إلى القضاء)، والدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية برعاية أممية، ويكون الحكم هو صندوق الانتخابات وإجبار كافة الأطراف المتصارعة على القبول بنتائج الانتخابات، عندها تكون الأمور قد هدأت والنفوس قد اطمأنت، ومن ثم العمل على كتابة دستور جديد للبلد، فالدساتير تُكتب في زمن السلم والتوافق بين مكونات الشعب لا زمن الاحتراب.