“دمشق- حلب”.. سورية الجميلة
سلوى عباس
منذ بداية مشواره السينمائي مع الأفلام القصيرة ومن ثم الروائية الطويلة، مروراً بمشروعه الذي تناول من خلاله الحرب على سورية عبر ثلاثية المرأة والحرب “مريم- الأم- سوريون” وصولاً إلى فيلم الأب وفيلمه الأخير “دمشق حلب” تتعدد مستويات المشاهدة والقراءة لكل عمل من أعمال المخرج باسل الخطيب بطريقة تختلف بعمقها عما سبقها من قراءات، ما يكشف عن تجربة سينمائية غنية ومتميزة بموضوعاتها وتقنياتها، حيث يقدم أعماله بلغة سينمائية تفيض بالإنسانية والحس المرهف الذي اعتدنا عليه، ما يجعل هذه الأعمال قريبة من أرواحنا تخاطبها بشفافية وصدق وكأنها تتحدث عن حالة كل واحد منا.
أهم ما يميز تجارب الخطيب هو انسجامه مع نفسه، وتركيزه على البعد الإنساني للموضوع الذي يتناوله بكل ما يحمله من مشاعر وعواطف، فالإنسان لديه محور كل قضية يطرحها في إطار البعد الوطني الذي يتقاطع مع أبعاد القضية كلها.
أما الإمتاع فهو المعبر الرئيسي الذي يعبره المضمون ليتحول إلى شكل فني يتفاعل معه الجمهور، والمخرج الخطيب لا يجد صعوبة في الوصول إلى الناس لأنه يقدم مقولته ببساطة وصدق ويخاطب فيهم تلقيهم بسلبياتهم وإيجابياتهم، حيث تنتمي أفلامه لـ “سينما الواقع” الذي يشكل منهلاً ثراً للموضوعات التي تتداخل مع أبعاد رمزية تحمل دلالات عميقة منسوجة برؤية فنية جميلة وصادقة، حيث البساطة أسلوباً يعتمده الخطيب في معظم أفلامه، والصراع الذي نراه في أفلامه ليس صراعاً بين الشخصيات، إنما صراع الشخصيات مع الحياة..
الحب والقيم الإنسانية هي النافذة التي يطل منها الخطيب على الحياة، ما يجعله رحيماً بشخصياته وحنوناً عليها، إذ معظم شخصياته هم ضحايا لظروف مختلفة ومتعددة. لذلك فإن أفلامه مشغولة بالمغامرة المحاطة بنبض القلوب وشفافية الروح يحاول بث النسغ في موجودات الحياة ويعيد لها تألقها، ويحاول في كل أفلامه التأكيد على سمو الوطن في داخلنا بعيداً عن الشعارات الفارغة من المعاني الوجودية والروحية الكبيرة، وهذا ما أكدته أحداث فيلم “دمشق حلب” الذي يروى حكاية مجموعة من الناس مختلفي الطباع والتوجهات والأعمار، يمثلون صورة مصغرة عن سورية، تجمعهم ظروف السفر في حافلة لنقل الركاب تتجه من دمشق إلى حلب، حيث يسافر “عيسى” المذيع السابق إلى حلب لزيارة ابنته، هرباً من الألم الذي استوطن روحه بسبب فقدانه لكثير من الأحبة والأصدقاء بسبب هذه الحرب المجنونة، وفي الحافلة يرى نفسه يتقاسم مع شركائه مصائرهم، فالحرب أفسدت على الناس الطيبين أوقات راحتهم، وفرحتهم وأدمت قلوب الكثيرين، لكن هناك شيء ما يبقى قاسماً مشتركاً بين الناس، وأقوى من حب الإنسان للإنسان هو حب الوطن والحياة، هذا الحب كان الرابط بين ركاب الحافلة رغم التنافرات التي حدثت بين بعضهم في البداية، فالوطن يكبر بأبنائه وهم يكبرون به، هم سياجه المنيع يصونونه، ويدافعون عنه.. وهذا ما جسده الفنان دريد لحام بشخصية “المذيع عيسى” في الفيلم فكان مشرقاً بالحلم والمحبة والسلام، يحمل في وجدانه وطنه سورية بكل تاريخها، وبكل ما تعانيه من نزف وألم، مؤكداً عبر حديثه مع ركاب الحافلة أن هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها سورية ستتخطاها بعزيمة أبنائها المؤمنين بوطنهم وبدوره الثقافي والإنساني، وتصميمهم على رفع راية التآخي التي جمعتهم دهراً يشهد له العالم كله، وأن الغد سيزهر في سورية، وكل شخص سيبقى تاريخه ملازماً له وحده، وسيتجلى كل إنسان بضميره الذي يخدم قضيته.
رسائل عديدة حملها فيلم “دمشق حلب” جميعها تؤكد أن مساحة الحلم أوسع من أي مصالح قد يرتجيها البعض، وهذا البيت لكل أبنائه بكل أطيافهم وتوجهاتهم، فهم وحدهم المعنيون به وببلسمة جراحه، ولا يوجد فيه من يقبل ألا تكون سورية الجميلة الوطن الواحد لكل أبنائها، هذا الشعب الشهيد الذي سطر تاريخاً بالإرادة والحياة.