تحقيقاتصحيفة البعث

لأنها غذاء الروح الموسيقا في حياة الأطفال.. تنمية للمواهب ووسيلة للتعلّم وتنمية المهارات

دفعتني تلك الأنغام الموسيقية التي كانت ترافقني يومياً في مشوار عودتي من العمل إلى ملاحقة مصدرها، والإنصات مرات عديدة بغية الاقتراب أكثر فأكثر منها، وتحديد المكان الذي تأتي منه تلك المعزوفة التي أخذتني إلى عالم الذكريات، وجعلت الكثير من الأفكار والتساؤلات تتسابق في مخيلتي عن شخصية العازف الذي لم أتوقع أن يكون طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمره 10 سنوات، ولا شك أن مهارة حمزة دعبول في العزف بأصابعه الصغيرة على آلة العود تطرح تساؤلات عديدة عن سر موهبته التي اكتشفتها والدته في عمر 8 سنوات من خلال أدائه الأغاني بصوته الجميل دون أي نشاز موسيقي، وقامت بتصميم آلة عود خصيصاً له لتلائم جسمه وأصابعه، حيث شارك حمزة في عدة حفلات في دار الأوبرا (كورال) غناء، وفي مدينة معرض دمشق الدولي، وفي مهرجان أغنية الطفل.

الموسيقا غذاء للروح

منذ القدم كانت الموسيقا غذاء للروح لدى الكبار والصغار في آن واحد،  فأعظم الموسيقيين كبيتهوفن وموزارت عالجوا الأطفال من خلال سماع موسيقا هادئة، فالموسيقا تخاطب أذن الطفل مباشرة، وقلبه، وعقله، فهو يفهم ما يسمع، وتساهم في تكوين شخصيته وسلوكه، وإذا استثمرت بطريقة صحيحة ستفرز جيلاً يمارس دوره بكل ثبات وثقة، وقد نوهت دراسات كثيرة أن للموسيقا دوراً في تربية الطفل منذ أن يكون جنيناً  لتأثيرها على النفس والأحاسيس البشرية، وتوجد العديد من الدول تعمل على تنظيم حفلات موسيقية تحضرها النساء الحوامل لتحسين مزاجهن، النقطة الأهم أن الموسيقا تطور أجزاء من طرف المخ الأيسر عند الإنسان، أجزاء مرتبطة بتعلّم اللغة، وتنشيط الذاكرة، وتحسين القراءة، كذلك تعمل على زيادة التذوق للموسيقا، والاستمتاع بالغناء السامي للطفل، وتقوية مجموعة من المهارات الحركية لديه، حيث سيتعلّم الطفل التعاون، والعمل الجماعي، والصبر، فيعتاد على انتظار دوره في العزف بدقة، والالتزام بسرعة الأغنية.

واعتبر الدكتور غسان منصور، كلية التربية، أن هناك فروقاً فردية بين الأطفال في تفضيلاتهم الموسيقية (سمع- عزف)، ولابد لكل موهبة أن تمر بمرحلة تدريب، حيث أظهرت الدراسات الأخيرة للذكاءات المتعددة أن هناك نوعاً هاماً من أنواعها /الذكاء الموسيقي/ الذي يعتمد على رهافة الحس، وقدرة الطفل على التعامل مع بعض الآلات الموسيقية، إضافة إلى قدرته على تعلّم النوتة الموسيقية.

وأضاف: يبدي بعض الأطفال اهتمامهم وميولهم الموسيقية منذ نعومة أظفارهم، ولكن قد يصطدمون برغبات الأهل واتجاهاتهم نحو الموسيقا، فمنهم من يشجع ويحاول تدريب الطفل وتوجيهه بامتلاك هذه المهارات الموسيقية، وبعضهم يقف عائقاً في وجه هذه الميول من منطلقات متعددة ثقافية اجتماعية.

فوائد عديدة

وقال الدكتور منصور: إن أحد مظاهر التعلّم الهامة التي يمر بها الطفل التعلّم عن طريق الأغاني والأناشيد والموسيقا الإيقاعية التي تعطي الطفل مساحة كبيرة من المفاهيم والقيم، مؤكداً أنه لا يمكن نكران الدور الكبير للموسيقا في ملامسة المشاعر والأحاسيس لدى جميع البشر، خاصة الأطفال، فعندما نريد تشجيعهم على الأداء الحسي الحركي كالرقص نبحث عن أنواع الموسيقا التي يهواها الطفل ويمارس عليها هذه الحركات، وذكر منصور أن استخدام رياض الأطفال للأغاني والأناشيد التي يتعلّم بها الأطفال الأحرف والكلمات ذات دور فعال جداً في حياتهم اللاحقة بمساعدتهم في امتلاك المعارف منذ نعومة أظفارهم.

 

استثمار الموهبة

برأي المعلمة لورين سليمان، الطفل ذو الأذن الموسيقية يتم اكتشافه منذ الصغر، حيث توجد طرق لتنمية الموهبة الموسيقية للطفل  من خلال تشجيع الأهل للطفل، وتعليمه الأساسيات بمعاهد موسيقية متخصصة، ثم عزف نوتات، سماع حفلات موسيقية، مشاهدة أطفال يعزفون، كما يجب على الأهل اصطحاب أطفالهم إلى دار الأوبرا ليتعرفوا على الأماكن الموسيقية الراقية في بلدنا، وأضافت بأن الموسيقا موهبة تنمي وقت الفراغ أفضل من: الموبايل، التلفزيون، التاب.

سلاح ذو حدين

تضيف سليمان بأن اكتشاف الموهبة الموسيقية للطفل أمر مهم، ولكن الأهم كيفية اختيار الآلة الموسيقية المناسبة مع جسم الطفل، وحركة يديه، وطباعه الشخصية، فآلة الكمان غير مناسبة لطفل غليظ الأصابع، فهي تحتاج لطفل ذي كف واسع، وهذا من مسؤولية المدرب (المعلم)، وهناك آلات موسيقية تحتاج لتدريب مستمر ومتعب، ومن الخطأ أن توجه لها طفلاً ليس لديه وقت كاف، وقدرة تحمّل.

صعوبات أم معجزات؟!

وتابعت المعلمة: مواهب أطفالنا الموسيقية شاهدها العالم بأسره، فمن لم يشاهد ويسمع يائيل القاسم، تيم الحلبي، والكثير في برنامج “ذا فويس كيدز” على شاشة mbc، للأسف المناهج في مادة التربية الموسيقية لا تواكب الآلات الموجودة في المدرسة، مثلاً: شاهد مقطع فيديو، ولا يوجد جهاز إسقاط وkase، ما دفعها لشراء بفلة، وتحميل مقاطع صوتية من الأنترنت ليسمعها الأطفال، وأكدت أن المنهاج فيه نظريات كثيرة، فطالب الصف الأول يعرف حوالي 90% من أشكال الدرجات، لا توجد وسائل تعليمية،  وآلات إيقاعية، فالمخشخشات مثلاً، الطفل لا يستطيع حفظها إذا لم يرها ويتدرب عليها.

موسيقيون خالدون

موسيقيون كثر ذكرهم  التاريخ، وهم خالدون إلى يومنا هذا مثل: محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، سهيل عرفة، قد تكون ظروفهم سيئة جداً عند اكتشاف مواهبهم في الصغر، ولكنهم حققوا أحلامهم بالنجومية بالإرادة والعزيمة، والأهم امتلاك الموهبة.

رهف ديب