ثقافةصحيفة البعث

“مسافرو الحرب”.. رحلة البحث عن الحياة والأمل

 

عن الحرب التي تغّير كلّ شيء، عن التعب المرسوم على الجباه، عن الأمل المزروع فينا، عن الفرح المنتظر، يحكي فيلم “مسافرو الحرب” قصة تمزج بين الحقيقة والفانتازيا.
الفيلم الروائي الطويل الذي أخرجه جود سعيد، وتشارك كتابته مع الممثل أيمن زيدان، وأنتجته شركة الأمير للإنتاج الفني، لا يترك لدى المشاهد أي إحساس أن ما يراه هو مجرد فيلم ببداية ونهاية وشخصيات وأحداث، بل يجعل المتفرّج يعيش الأحداث كما لو أنه واحد من الشخصيات الأساسية في الفيلم.
حين يقرّر بهاء الرجل الخمسيني العامل في شركة الكهرباء، والذي يؤدي دوره الفنان “أيمن زيدان”، أن يغادر حلب ويعود إلى قريته، لينعم ببقية سنواته فيها، تبدأ القصة التي تتوالى من ركوبه في حافلة النقل، إلى جانب زوجة الشهيد المسافرة مع طفلتها، وعدد من الرّكاب الذين تنشأ معهم رفقة طريق تحمل في طياتها وديّة الغربة المشتركة، ولكن تبقى شخصية بهاء هي الشخصية المحورية التي تدور حولها أحداث الفيلم.
بعد وقت من مضي الحافلة في طريقها، يضطر السائق إلى الوقوف بعد مشاهدته لأعداد كثيرة من الناس يخرجون من الطريق الذي تتجه إليه الحافلة، ليعلم الجميع أن اشتباكات تحصل في تلك القرى بين الجيش وبين الإرهابيين، لكن القصة الحقيقة تبدأ عند نزول الركاب من الحافلة بانتظار انتهاء الاشتباكات، ولجوئهم إلى إحدى القرى المهجورة.
التفاؤل الذي يرسمه الفيلم يظهر بإعادة الحياة للقرية المهجورة، حيث يستطيع بهاء إعادة الكهرباء، واستخراج المياه، والأهم أنّه ينجح بإقناع فراس “لجين إسماعيل”، أنه قادر على الحب والعطاء، بعدما طغى الموات على الجزء الأكبر من حياته، وبعدما كانت كلمة” الله يرحمو” هي الكلمة الأكثر تكراراً لديه، استطاع أن ينطق بالتفاؤل، حينما قال لنور “أنا بحبك” وقال “الحرب خلصت”، فيقع فعلا في حب نور التي تؤدي دورها الممثلة “سوزانا الوز”، والتي تعود مع إخوتها إلى منزلهم ليكتشفوا أن بهاء وفراس، وسامر قد سكنوا المنزل، ومع ذلك استطاعت العائلتان الانسجام، والعوالم الإنسانية التي قادنا إليها جود سعيد، استطاعت أن تشكّل جزءا مهمّا من الفيلم الذي ضم الكره والحب، والسيطرة، والفقدان، والأمل وكل المشاعر الإنسانية التي تتأرجح في حياة الإنسان.
أمّا التجاذبات التي يحملها “مسافرو الحرب” فهي تظهر في الصراع بين أبو لميا “حسين عباس” وأبو مظلوم” كرم الشعراني”، ومن ثم مهند، “طارق عبدو” حيث تٌظهِر هذه التجاذبات الاستغلال البشع الذي تعمّده الكثيرون ممن لعبوا على وتر الحرب، ليحققوا غاياتهم ومصالحهم الشخصية غير المشروعة.
وبعد جملة من الأحداث التي تعيشها هذه الشخصيات، وانضمام فراس إلى الجيش، يظهر الأمل المنتظر من خلال عودة فراس مصاباً، معلناً انتهاء الحرب، لنكتشف أن ذلك كان مجرد حكاية، يحكيها بهاء لفراس وهما ينتظران انتهاء الاشتباكات كما بقية المسافرين، لتظهر المفاجأة الكبرى حين انتهاء الاشتباكات وذهاب كل مسافر في طريقه، ووصول بهاء إلى قريته، ولنكتشف أن الرحلة منذ بدايتها وانطلاق بهاء من منزله المستأجر في حلب، كلها كانت حكاية بنهاية سعيدة، يرويها بهاء لابنته التي تعيش في ألمانيا.
يجسّد فيلم “مسافرو الحرب” ّ صورة للأمل المعقود بالإرادة القوية التي تحقق المستحيل، صورة لبشائر الفرح والنصر التي ينتظرها كل السوريين، والتي تتجسد بالجملة التي كرّرها فراس “خلصت الحرب.. خلصت الحرب”.
مادلين جليس