ثقافة

بـراقـش

ربما بات مملاً تكرار القول بأنهم ينهضون بأممهم وبلدانهم؛ بما نهب وسرق من علمنا ومعارفنا، وإنجازات الأولين من أجدادنا “ولا منّة لنا” ولا شكر؛ سوى جيوش من الوحوش تقاتلنا في ديارنا؛ بهدف واحد لا بد الجميع قادر على تبينه؛ أن نبقى نراوح في المكان، إن لم نسقط في قعر الهاوية. هو المنطق الذي تؤول إليه النهايات إن لم تجد البدايات من ينهض ويقف في وجه الجاني، وليس بسارق عادي، هو سارق تاريخ وحضارة، والأهم هويتنا التي تُطمس عبر الزمان، بينما لا تجد من يقف في وجه سارقها، إن لم تجد من يؤمن بها حقيقة جلية واضحة.
حتى أن البعض منا يغذ السير ويذهب معه في افتراءاته يكرسها حتى في المعارف التي تقدم يومياً في كل محفل لها. هل علم أحدكم أن ما نطلق عليها نظرية “فيثاغورث” “مربع طول الوتر يساوي مجموع مربعي طول الضلعين المقابلين “والتي تعتبر واحدة من الأسس التي تقوم عليها علوم الرياضيات، إنما تعود لأجدادنا السومريين الذين برهنوها قبل فيثاغورث بأكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان” يسوقها على أنها حقائق تاريخية لا راد لها إلا “قضاء الله” بينما الحقيقة الأصل لا تحتاج إلا إلى قليل من الجهد لإزاحة الغبار عنها، والقليل من الأشواك نمت بالإهمال الذي ركنّا له.
****
بالأمس وفي غمرة الأفراح التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنادى الجميع للاحتفال، الصفحات الخاصة، المواقع الإخبارية والصفحات الإلكترونية، للتغني والتشفي بمشهد نيران الحرائق التي امتدت على مساحات كبيرة من أرض فلسطين، التي استبيحت لإقامة المستوطنات الإسرائيلية، وبينما دخان الحرائق كاد يكتم أنفاسنا عبر الفضائيات والشاشات الزرقاء، ضاعت فلسطيننا مرة أخرى، وباتت “إسرائيل” في غمضة عين يتناول الجميع  الخبر “كلاً واحداً” بأخطائه العفوية أو المقصودة بين قهقهات الشامتين، وصراخ المتعاطفين يتداعون لنجدة “البلد المنكوبة” “إسرائيل تحترق” “النيران تأكل إسرائيل”… أليست تلك الأرض هي ذات التراب المحتل، أليست هي فلسطين؟.
كأني بالتاريخ يكتب اليوم ليس بالحبر فقط؟ التاريخ اليوم يكتب بالصورة، بالصوت، بخبر نتداعى لنشره كيفما تلقيناه، وكأني بالتاريخ يغمز ويبتسم؛ كيف نعينه على التزوير بأيدينا، عندما ننساق خلف المجموع كما القطيع، أو التسليم بما يرسم لنا كأنه القضاء والقدر الذي لا رادّ له.
إذ لم يساعد “سايكس وبيكو” اللذين يحتفلان في قبرهما هذا العام بمئوية أكبر إنجازاتهما عبر التاريخ الحديث، لم يساعدهما على تثبيت اتفاقيتهما التي مزقت أرضنا الواحدة، سوى أنها حالما انتهت من رسم الخرائط على الورق، حتى انكفأ كل مجموع على ذاته؛ يجاهد في رفع السور حول نفسه، ليصبح حبيس أفكاره ومفاهيمه وبدائيته، يسوّق للأمر وكأنها إنجازاً من صنيعه.
****
يبدو أن القضية ليست في هواة السرقة أو أولئك الذين يبرعون في رسم الخطوط والألاعيب، بل لعل المشكلة في النفوس التي تقبل الهوان قضاءً من الله، ونحن الذين بتنا نتلقى المعلومة والخبر على عواهنه دون وعي أو تبصر أو محاولات للبحث عن الحقائق لنبقى وكأنما “براقش” تصر على أن تثبت للعالم صحة ما جنته على نفسها يوماً بعد يوم.

بشرى الحكيم