هل هناك مخرج من المأزق الأفغاني؟
ترجمة: البعث
عن غلوبال ريسيرتش 28/12/2018
لطالما كانت أفغانستان ذات أهمية خاصة للقوى العالمية، ليس من أجل كسب الأموال، إنما لضمان السيطرة على رأس الجسر الذي يربط بين دول وسط وجنوب آسيا. ولهذا السبب، خلال العقود القليلة الماضية، كانت أفغانستان مسرحاً لأعمال عدائية بين القوى الغربية الرئيسية، لكن هذا التنافس لم يفعل شيئاً لتحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين أو ضمان السلام والأمن في أفغانستان، وبدلاً من ذلك تحوّل هذا البلد إلى أهم منطقة لعدم الاستقرار والفوضى. وحتى بعد ما يقرب العقدين من الغزو الأولي لهذا البلد، يُنظر إلى الجنود الأمريكيين بشكل شبه عالمي على أنهم قوة احتلال غير شرعية هنا.
وبحسب التقرير الخاص للقيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية، فقد أسقطت الولايات المتحدة 5،982 قطعة ذخيرة على أفغانستان بين بداية العام ونهاية تشرين الأول 2018، وهو رقم يفوق الرقم القياسي السنوي السابق الذي بلغ 5400 في عام 2011 في ذروة زيادة القوات الأمريكية. وليس من المستغرب أن التقرير نفسه يذكر أن عدد الضحايا المدنيين على مدى الفترة الزمنية نفسها بلغ أعلى مستوى على الإطلاق، كما نتج عن ذلك زيادة حركة طالبان في عدد عملياتها، مما أدى إلى توجيه ضربة ساحقة لقوات الأمن الموالية للغرب.
في الآونة الأخيرة، أصدرت جامعة “براون” الأمريكية تقييمها الخاص لإصابات الحرب الأفغانية، مشيرة إلى أن ما لا يقل عن 140 ألف رجل فقدوا حياتهم في الأعمال العدائية المباشرة على مدى فترة سبعة عشر عاماً ، وقُتل ما لا يقل عن 6 آلاف جندي أمريكي، مع أحد عشر ألف جندي من دول ما يُسمّى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وأظهر المؤلفون من وراء الدراسة بأن هؤلاء هم أقل عدد ممكن من الضحايا، حيث لا يوجد أحد لديه أرقام دقيقة. ولجعل الأمور أكثر سوءاً، لا يوجد أية تقارير عن عدد الرجال والنساء الأمريكيين الذين تمّت أذيتهم عقلياً أو جسدياً بسبب هذه الحرب الوحشية. وإذا كان هناك اعتقاد بأن المصادر غير رسمية، فإن إجمالي عدد الضحايا في الحرب الأفغانية، بما في ذلك تلك التي قضت بسبب التدمير الكامل للبنية التحتية المدنية الأفغانية، يتجاوز مليون شخص، إضافة إلى تشريد 2،6 مليون مواطن أفغاني في سياق الأعمال العدائية.
ولهذا السبب يمكن وصف الوجود العسكري للولايات المتحدة والناتو في أفغانستان بأنه لنشر الفوضى الشاملة، ويبدو أن المواطنين المحليين يشتركون إلى حدّ كبير في نفس تقييم الوضع على الأرض، حيث توجد تقارير عن عدد متزايد من الاحتجاجات ضد تصرفات القوات الجوية الأمريكية في جميع أنحاء أفغانستان.
وليس من المستغرب أن تعرض مجلة “ويكلي ستاندارد” مقالاً يحمل عنواناً قوياً جداً يقول: “لقد انتهت حرب أفغانستان.. خسرنا”. وتنصّ المقالة نفسها على أن إدارة ترامب كانت تعرب عن خططها لسحب القوات الأمريكية، لكنها لن تفي بوعدها لأن واشنطن تحب التباهي بأنها تلعب دوراً أساسياً في إحلال السلام في أفغانستان، في حين أنها حقيقة هي العقبة الوحيدة التي تقف في طريق المفاوضات السلمية.
في هذه الأثناء، تفقد الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة قوتها بشكل سريع أمام حركة طالبان والجماعات المتمردة الأخرى. وينصّ تقرير العام الماضي من قبل المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان على أن الحكومة تسيطر أو لا تملك النفوذ على ما لا يزيد عن 57٪ من أراضي أفغانستان. ووفقاً لدراسة حديثة لهيئة الإذاعة البريطانية، فإن مقاتلي طالبان يعملون بحرية عبر 70٪ من أراضي أفغانستان. ووفقاً لتقييم البنتاغون، لم يكن هناك أكثر من 15 ألف مسلح يعملون في أفغانستان قبل عقد من الزمن، أما اليوم فيُعتقد أن هذا الرقم يتجاوز 60 ألف رجل.
لقد أُشير إلى أن الحكومة الأفغانية الحالية ليست هي الولايات المتحدة، بل هي الولايات المتحدة التي تسميها بالفعل في أفغانستان. في الواقع، لدى الولايات المتحدة عدد من المصالح الإستراتيجية في هذه المنطقة. هذه المصالح تجبرها على البقاء في أفغانستان. ولذلك، فإن الولايات المتحدة بطبيعة الحال ستكون أكثر اهتماماً بالحفاظ على مصالحها الإستراتيجية الأوسع من إحلال السلام في هذا البلد الذي مزقته الحرب. في الوقت الحالي، هناك نوع من الجمود في عملية الحوار بين الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكياً وطالبان، حيث يحاولان التوصل إلى تسوية تفاوضية بشروطهما الخاصة.
ووفقاً لصانع القرار الأمريكي، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يطوروا بشكل جاد إستراتيجية خروج شاملة لسحب قواتهم من أفغانستان بالكامل، إلا أن الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من هذا الصراع هو أيضاً شرط مسبق رئيسي من قبل طالبان وغيرها من الجماعات المتمردة لصنع السلام في أفغانستان.
ربما يكون استقرار أفغانستان، حيث يكون التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا “قابلاً للتنفيذ”، ومن الضروري عدم تحميل روسيا مسؤولية هزيمة واشنطن في أفغانستان، لأنه ومن أجل مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين في آسيا الوسطى، قدمت موسكو المساعدة كلما أرادت الولايات المتحدة ذلك. ببساطة، إن ما نحتاجه هو إعادة ضبط العقلية الأمريكية.
يبدو من غير المحتمل أن يتمكّن دونالد ترامب من القيام بزيارات إلى أفغانستان في الأيام القليلة القادمة، وهو ما يعني أن البيت الأبيض لم يدرك تماماً حقائق الواقع في أفغانستان. ومع ذلك، لا يسع المرء إلا أن يأمل أن تدرك إدارة ترامب، إن عاجلاً أو آجلاً، أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بات وشيكاً مثل الانسحاب من سورية.