تكثيف الضغوط على إيران.. استهداف لدورها الإقليمي
د. معن منيف سليمان
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتكثيف الضغوط، ولاسيما الضغط الاقتصادي، وهو الجانب الأبرز من الاستراتيجية الجديدة تجاه إيران، بهدف استهداف دورها الإقليمي بعد الانتصار السياسي لمحور المقاومة في سورية والعراق، وتوافقت المواقف الإسرائيلية والأمريكية حيال إيران منذ تسلّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة، وبلغ التناغم السعودي والإماراتي مع “إسرائيل” حدّ العلن، ولم ير هؤلاء غضاضة من تأييد فكرة بناء حلف إقليمي عربي ضد إيران.
يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استهداف إيران بحملة ضغوطات اقتصادية بهدف إرغامها على قبول التفاوض، فهو مقتنع بأن “حملة الضغوط القصوى” التي تجمع بين عقوبات مشدّدة، وعزلة دبلوماسية، وتهديدات عسكرية، هي التي ستحمل إيران على قبول التفاوض، والقبول بالشروط الأمريكية، أي اتباع سياسة الضرب بقوة شديدة، ثم التفاوض من موقع القوة.
وبناء على ذلك انسحب الرئيس الأمريكي في 8 أيار 2018 من الاتفاق المبرم بين إيران والقوى الكبرى في عام 2015 لمنع امتلاكها السلاح النووي، وأعاد فرض عقوبات قاسية جداً على إيران من خلال السعي لانتهاج سياسة جديدة تقوم على “أقصى درجات الضغط الاقتصادي والدبلوماسي”.
وأطلقت إدارة الرئيس ترامب حملة دعائية على الأنترنت بهدف تشديد الضغط على إيران، وأطلق أكثر من اثني عشر من المسؤولين الحاليين والسابقين هذه الحملة التي يدعمها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، بهدف العمل لتضييق الخناق على إيران اقتصادياً من خلال إعادة فرض الحظر عليها، وقال المسؤولون: إن الحملة تصور المسؤولين الإيرانيين بصورة فظّة، وتستند أحياناً إلى معلومات مبالغ بها، أو تتناقض مع تصريحات رسمية أخرى، بينها تصريحات لإدارات سابقة.
واعتبر بهنام بن طالبلو من مركز الأبحاث “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، والمؤيد لاعتماد نهج حازم تجاه إيران، أنه من “الحكمة والضرورة اعتماد استراتيجية الضغوط القصوى حيال إيران”، وقال: “إن قطع إمكانية حصولها على تمويل دولي، وخفض التجارة غير المشروعة، يمكن أن يؤديا إلى إفقار إيران”.
إن واشنطن تريد الذهاب أبعد من الشق النووي، فمن خلال اتهامها إيران بشغل دور “مزعزع للاستقرار ومسيء” في الشرق الأوسط، إنما تريد إدارة ترامب منها “تغييرات عميقة في مجال السلوك”، فقد قال مستشار الرئيس ترامب للأمن القومي جون بولتون: “سنواصل ممارسة ما يسميه الرئيس الضغوط القصوى”، مؤكداً أن الهدف النهائي ليس تغيير النظام في طهران.
ونفى أندرو بيك، المسؤول في إدارة شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية، أن يكون الهدف من حملة الضغط على إيران هو تغيير النظام الحاكم هناك، وقال في مؤتمر صحفي عبر الهاتف: “كلا، نحاول تغيير سلوك النظام”، وأضاف بأن واشنطن ستستخدم الدبلوماسية لإقناع حلفائها بالسير على خطاها، وإعادة فرض عقوبات على طهران.
وكان مايك بومبيو أعلن عن سياسة بلاده لمواجهة إيران، إلى جانب الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الاتفاق النووي مع طهران، وقال: “إن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تتكون من سبعة محاور للتعامل مع إيران”، مؤكداً أن “الضغط الاقتصادي هو الجانب الأبرز من الاستراتيجية الجديدة تجاه إيران”، وشدّد بومبيو على أن “إيران ستتعرّض للعقوبات الأكثر قسوة في التاريخ إذا واصلت سياساتها”، لافتاً إلى أن “العقوبات على إيران تنتهي فوراً بمجرد تنفيذ ما هو مطلوب منها”، وطرح وزير خارجية الولايات المتحدة اثني عشر مطلباً أمريكياً من إيران كان من أبرزها وقف دعم المقاومة، والانسحاب من سورية، ووقف التدخل في العراق واليمن.
ويتجلى الضغط الأمريكي على العواصم الأوروبية في الملف الإيراني من بوابة الشركات الأوروبية التي تعمل في إيران أو تتعاون معها، إذ كشف وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، أن واشنطن رفضت طلب باريس منح الشركات الفرنسية العاملة في إيران إعفاءات من العقوبات الأمريكية، وقال لومير في حديث صحفي: “إننا تلقينا رد وزير الخزانة، ستيفن منوتشين، وجاء سلبياً”، ومع الرد الأمريكي السلبي على طلب باريس، تؤكد واشنطن تشددها في إجراءاتها ضد إيران، وتصرّ على توريط الحلفاء في معركتها مع إيران، وهذا ما كان قد أكده وزير الخزانة، ستيفن منوتشين، بالتهديد بفرض عقوبات على أية دولة تشتري النفط الإيراني، بما فيها الصين وروسيا وأوروبا وغيرها.
توافق إسرائيلي أمريكي
توافقت المواقف الإسرائيلية والأمريكية تجاه إيران منذ تسلّم الرئيس ترامب السلطة، وتؤكد الولايات المتحدة و”إسرائيل” أن الاتفاق مع إيران كان محدوداً للغاية في نطاقه وإطاره الزمني، في حين يسمح لها كذلك بتمويل أنشطة قتالية في المنطقة جراء رفع العقوبات.
وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون في القدس المحتلة، الدول الأوروبية بتكثيف الضغوط على إيران، وقال نتنياهو للصحفيين: “أعتقد صراحة أن على جميع الدول المهتمة بالسلام والأمن في الشرق الأوسط السير على خطا أمريكا، وتكثيف الضغوط على إيران”، عادّاً أنه “كلما تكثفت الضغوط ازدادت فرص تراجع النظام عن عدوانيته، ويجب على الجميع الانضمام إلى هذه الجهود”، وكان نتنياهو حضّ ترامب بشدّة على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتعهد بمنع طهران من دعم سورية، في حين قامت “إسرائيل” بسلسلة ضربات لبعض المواقع السورية بذريعة الوجود العسكري الإيراني.
التناغم الإسرائيلي مع السعودية والإمارات في مساعي التحريض على إيران يندرج هو الآخر في إطار حملة إدارة ترامب ضدّ إيران لتدجينها، وحماية “إسرائيل”، وأتباع واشنطن في الخليج العربي، وهناك محاولة من قبل وزير خارجية أمريكا بومبيو مع وزراء عرب لبناء حلف إقليمي ضد إيران.
ولا شك أن التناغم العربي الإسرائيلي من أجل قيام حلف إقليمي جديد عنوانه تشكيل كتلة جديدة تضم دولاً خليجية على رأسها السعودية والإمارات لتكثيف حملة الضغوط ضد إيران، يدل على أن هؤلاء يجمعهم القلق من إيران، ذلك أن زعماء هذه الدول عملوا على تصفية القضية الفلسطينية، وإزالتها من أولويات شعوب المنطقة، وهو الأمر الذي شكّلت إيران رأس الحربة في إجهاضه ومازالت، ولهذا لم تعد ترى هذه الأنظمة العربية الكيان الإسرائيلي عدواً، بل تعده حليفاً في مواجهة إيران.
كان هجوم الأهواز جزءاً من تصعيد سعودي وإماراتي داخل إيران، فقد ذكر موقع “ميدل ايست آي” البريطاني أن الهدف منه هو دفع طهران للانتقام، واستخدام ردة فعلها لجر الولايات المتحدة نحو حرب أوسع، وكانت طهران بدورها قد حذرت من تجاوز الخطوط الحمر، ورأى الموقع أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين، وأفعال الإدارة الأمريكية تتوافق على نحو كبير مع مذكرة مستشار الأمن القومي جون بولتون التي صاغها في عام 2017، مضيفاً بأن إدارة ترامب تتبع رؤية بولتون بشأن إيران خطوة بخطوة، في إشارة إلى ما تضمنته من توصيات بالانسحاب من الاتفاق النووي، ودعم الانفصاليين في إطار تكثيف الضغوط على إيران، لهذا فإن القيادة العسكرية الأمريكية، رغم تكثيف حملة الضغوطات على إيران، تخشى من ردود فعل إيرانية ضد المصالح الأمريكية، خصوصاً في منطقة الخليج وأفغانستان، كما أن القيادة العسكرية الأمريكية تعلم أن تأزم الصراع العربي- الإسرائيلي يهدد القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة.
إن التقييمات الاستخباراتية الدورية في أمريكا بشأن السلاح النووي الإيراني في عام 2007 وعام 2011 توصلت إلى خلاصة مفادها أن إيران لا تمتلك سلاحاً نووياً فحسب، وهذا ما أكدته تقارير وكالة الطاقة الدولية التي كشفت أسراراً في المحطات النووية وتجارب أعدت على الحواسب، بل إنها تخلت عن هذا الخيار.
إن تشديد العقوبات على إيران إلى درجة تمنع الحكومة الإيرانية من القيام بمعاملات تجارية مع بنوك مركزية وعادية في بلدان مختلفة، دليل على انعدام الخيار العسكري، وهو عنوان للمحاولات الأمريكية لإرضاء الكيان الإسرائيلي وأتباعها في الخليج العربي، لكن الضغوطات الأمريكية ستستمر على هذا الصعيد لاستهداف دورها الإقليمي، وهذا دليل واضح على قدرة إيران الذاتية في الساحات المختلفة الداخلية والخارجية، وعلى إخفاق أمريكي في توحيد العالم ضد إيران الذي بات معظمه يقف معها ضد الغطرسة الأمريكية.