اكتمال قمر جديد
سلوى عباس
هو اليوم الأخير من العام والناس غارقون في ابتهاجهم واحتفالاتهم المجنونة وصوت الرصاص الذي أصبح عنواناً لأفراحهم وأتراحهم هو سيد الموقف يشق سكون الليل.. الناس يحتفلون وينسجون أحلامهم حول لحظة تطل فيها سنتهم التي يحملونها أمانيهم المشرقة بالأمل والفرح، ويودّعون عامهم بكل لحظاته، وما حمله من ذكريات.. ووسط هذا الصخب كله كانت خطواتها المتثاقلة تستعجل الوقت لتنهي صعود الدرج الطويل والمرهق.. دخلت إلى منزلها وأطبقت الباب بإحكام لأنها ستقضي ليلتها وحيدة مع أنه ليس لهذا اليوم أي وقع لديها، فهو بالنسبة لها لا يختلف عن باقي الأيام..
ذهبت لتغسل وجهها، تمعّنت في المرآة ملياً تستقرىء خبايا روحها، رأت ملامحها قد اختلفت، وكأنها وصلت إلى توافق مع نفسها أن تعيش الحياة كما هي بعيداً عن تعقيداتها ومتاعبها، إنها الدقائق الأخيرة لعام يتهيأ لحمل حقائبه واعتمار قبعة الرحيل معلنا قدوم عام جديد يطل على الناس بكل ما يحمل من مفاجآت وأحلام يفردها حلماً حلماً، ويرسم آفاقا بطيوف ملونة ينسجها الناس بخيالهم وأمانيهم الخضراء كربيع نثر وروده في أروقة الزمان والمكان ليفوح عبيرها عطراً شذياً.. عام رحل تاركا وراءه الكثير من الخيبات والانكسارات والأحلام المشروخة.. فالعمر يمر والسنوات تتوالى، والحلم يغمرها بإشراقته فتخلد إلى عشبة تخطها بماء الندى، وتواري روحها في اخضرارها الباسق البديع، تغمس أصابعها في قلبها الراجف وتكتب عن ضراوة الوقت واعتلال أزمنتها بين يقظتها والصباح، بين أحلامها والانتظار، فكم من أحبة غادرونا إلى عالم آخر مختلف لا ندري إذا كانوا يحسبون فيه الأعوام كما نحسبها، ولا إذا كانت أيامهم تتشابه مع أيامنا.. لكن هي الحياة تسير برتمها المعتاد لا تتوقف أبداً والأجيال تعيش تفاصيلها كما يرسمها لها القدر، والشباب يمثلون امتداداً لأحلام الكبار وآمالهم التي لم يتمكنوا من تحقيقها، ويكونوا هم الشهود على هذه الأحلام الفتية يباركونها ويشعلون فيها جذوة الأمل.
العام الجديد في بدايته يتقدم بخطا متثاقلة، يئن تحت وطأة حقائبه المترعة بغيبيات يترجمها كل واحد منا حسب ما يتمنى ويريد.. فهل لنا أن نقف لحظة مع أنفسنا نراجع فيها حساباتنا.. أينا نجحنا.. وأين أخفقنا.. وأن نكون صريحين في رؤيتنا لأنفسنا ولمن حولنا، ونعمل على تحقيق الأحلام التي رسمناها في مخيلتنا ولم تتح لها الظروف لتترجم إلى واقع حي، وأن نعمل على استدراك الحلم والإمساك به من جديد.. فالعمر يمر والسنوات تتوالى سنة وراء أخرى تتهادى في طريقها إلى سنين أخرى تنتظر اكتمال قمرها. تداعيات عاشت فيها مكاشفة مع نفسها وأسئلة تفرض نفسها عليها، كيف قضت ما مضى من أيام، في جردة حساب وجدت فيها نفسها تعيش حالة من التناقض حيناً والتصالح حيناً آخر.. سيل من مشاعرها يداهمها على حين ذكريات أخذتها في غفوة استفاقت منها والناس لازالوا يواصلون احتفالهم الأرعن بقدوم عامهم الذي وسموه بالجديد فالساعة الثانية عشرة ليلاً كانت الناقوس الذي أعلن إطلالة عام ليكن مباركا على الناس جميعا، وعام محبة وسلام وخير وعطاء.