ثقافةصحيفة البعث

خبز وحلم

أتعبتني الحرب، أتعبني البرد، أتعبتني العناوين ووسائل التواصل الاجتماعي الغبية، أتعبتني الوعود والأرصفة، أتعبني الرحيل.

حكم عليّ بالاستيقاظ مدة ثلاث سنوات بتهمة أنني أحلم كثيرا وبلا لزوم، لا أدري من وشى بي وأخبرهم بأنه شاهدني متلبسة وأنا أحلم بالخبز والفرح والحب..! لأن رغيفاً واحداً من الصمت لا يكفي قوت يومي الطويل والمضني، أصبح الصمت مهنتي الأساسية، وفعلا أبدعت به وأتقنته على أكمل وجه.

منذ طفولتي سرقت من حقيبتي ألوان الحياة، ومازلت أرسم قوس قزح بلا ألوان.    كل منا يعرف اسم الآخر، ولكن لا أحد يعلم ما وراء الأسماء والستائر والجدران.

أنا مريضة جدا، ولكن لا أعلم كيف سأثبت له بأنني مريضة، فمازلت أحافظ على وجنتين بلون الزهر، والسعال لم يعط النتيجة المطلوبة، وقلبي المكسور عدة كسور متبدلة لم يعتبر دليلا كافيا على مرضي، وروحي الهشة التي تسقط مني عند كل رحيل، لم تغير قيد أنملة من تقرير الطبيب، لكنني والله أنا مريضة منك وبك..! أحاصر نفسي بالتعاويذ، وتقبيل قدمي الرب في الذهاب والمجيء، كي لا أصاب بالجنون، ورغم ذلك يقول لي صديقي أنت أجمل وأعقل المجانين.

ألملم بقايا روحي كلما سقطت، كبقايا زجاج مكسور، ألتقطها وأواصل المسير، ليس فعل إرادة أو حبا بالصمود، ولكن لا مجال أبدا للعودة إلى الوراء أو الهروب من قدر أكيد.. مازال صخر الزمن يدحرجني نحو الأسفل، كلما حاول سيزيفي الصعود من جديد.

في طريقي إلى الموت أصادف الحياة وألوح لها من بعيد، فشاخصات العبور على يمين حياتي تشير إلى منحدر خطير.

ببطء، لكن بثبات، وبنفس الطريقة التي يحوّل بها الخريف شكل الغابة، حوّلتني آلاف التغييرات الصغيرة إلى إنسانة أخرى.

كما كل مرة أفشل حينما أقرر كتابة قصة جديدة يكون هو بطلها، حيث يكون من المُخطط له أن يموت في النهاية، لكنني مُت أنا، في حبه.

‏أمارس حقي الطبيعي في الانهيار، أكره التظاهر بالصمود وأنا أترنح، فتلك هي أسوأ هزيمة.

أصبحت امرأة أربعينية، ولهذه اللحظة أبكي بلا سبب، أو ربما لأنني أعلم كل شيء.

لم أحزن لأنه غادرني، أكثر ما أحزنني أنه أصبح بيننا خبز وحلم..!

لينا أحمد نبيعة