اقتصادصحيفة البعث

بنك الفقراء لا يزال يتلمس طريقه وبوصلته صوب رفع سقف قروضه لـ5 ملايين المشــــــروعات الصغيـــــرة والمتوســـــطة رهــــن ســــياســــات جريئــــة وتمويــــل قــــادر علــــى تبنيهــــا

لاشك أن ظروف ونتائج الأزمة التي طالت سورية لمدة قاربت الثماني سنوات، أسفرت عن تدنٍ ملحوظ في دخول معظم الأسر إلى مادون خط الفقر، إلى جانب انعدام مصادر الدخل لجزء كبير من هذه الأسر التي طالما امتلكت مهناً ومشاريع خاصة بها جراء الدمار والانزياح الديموغرافي إلى المناطق الآمنة، وبالتالي فإن التعويل على إجراءات حكومية لتحسين الدخل ورفع مستوى القدرة الشرائية –على الرغم من أهميتها وضرورة إصدارها- لن تطال الأغلبية ممن هم خارج نطاق القطاع العام، ليبقى توفير المناخ الملائم لتحويلهم من ركن العبء الاجتماعي على الدولة والمجتمع إلى نواة حقيقية منتجة أبرز الخيارات المطروحة أمامهم، عبر تبني أفكارهم وتأهيل إمكاناتهم أو تمويل مشاريعهم الصغيرة من خلال استراتيجيات وآليات قادرة على تغيير مفهوم المجتمع من “استهلاكي” إلى “منتج” قادر على النهوض بالواقع الجديد، وتأمين روافد أسياسية للاقتصاد الوطني.

مازالت خجولة

على الرغم من نجاح العديد من المشاريع الفردية الصغيرة سواء على مستوى الفرد أو الأسرة إلا أنها مازالت تشكل نسباً خجولة مقارنة مع الأعداد المتزايدة لمجمل المتضررين أو المحتاجين لجهة تبلور إمكانياتهم، ولعل هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي الجهة المخولة بتولي هذه المهمة، إلا أنها عانت خلال سنوات مضت من تشتت بوصلتها وغياب دورها، ولاسيما في ظل افتقادها لأذرع تمويلية تتمم دورها المنوط بها، مع العلم أنها خطت خطوات هامة في رسم مسارها من خلال دورات التدريب والتأهيل وغيرها من أجل التشغيل المضمون، بحسب ما أكده مديرها العام إيهاب اسمندر، إذ قامت بسلسلة متكاملة لتمكن الراغبين من الانطلاق بمشاريعهم الصغيرة، إلى جانب تشبيك هذه المشاريع مع دوران عجلة الحياة الاقتصادية من خلال المعارض ومهرجانات التسوق للتغلب على مشكلات التسويق وضمان ولوج منتجاتهم إلى الأسواق المحلية، وإحداث حاضنة أعمال تدريبية، وأما مسألة التمويل المحدودة فبقيت بنطاق ضيق اقتصر على المؤسسة الوطنية السورية وبنك الإبداع.

دور محدود

وبالنظر إلى إنجاز بنك الإبداع في تمويل هذه المشاريع، نلاحظ محدودية دوره، فعلى الرغم من قرار تأسيسه في عام 2010 إلا أنه لا يزال يعاني من إشكالية في الفروع إذ يقتصر عمله ضمن ثلاثة فروع فقط تمركزت في السويداء وريف دمشق وطرطوس، إلى جانب ضآلة قيمة القروض المقدمة والتي تبدأ من 150 ألفاً ليصل سقفها إلى مليون ليرة، ضمن اشتراطات ميسرة، لكن اسمندر نوه في هذا السياق إلى أن سياسة المصرف هي تمويل مشاريع متناهية الصغر؛ لذلك تبدأ بقيم مالية صغيرة لتمويل مشاريع أسرية أو فردية صغيرة، إلا أنه عاد وأكد أن هناك توجهاً إلى رفع سقف القروض إلى ما يقارب خمسة ملايين ليرة خلال العام الحالي.

إحصائية

وكشف اسمندر عن وجود سياسة في المصرف لتنشيط واقعه، منها توسيع رقعته الجغرافية وفتح فروع جديدة في عدد من محافظات، كما قرر المصرف تقديم منتج تمويلي خاص بالتمويل الإسلامي لاستقطاب شريحة تحبذ صيغ التمويل الإسلامي، وحاول اسمندر خلال حديثه إعطاء تقييم جيد للمصرف معتمداً على نتائج عمله خلال العامين الماضيين، إذ نمت القروض خلالهما إلى ما يقارب 98%، كما وصل عدد القروض إلى 2800 قرض خلال عام 2017، ليتجاوز 4700 قرض خلال العام الماضي، وقيمة المحفظة كانت حوالي 761 مليوناً، ووصلت إلى ما يقارب 1.4 مليار ليرة، كما لفت إلى أن عدد القروض القائمة وصلت إلى 12500 قرض، وكانت قيمة الادخار 643 مليوناً، ووصلت إلى نحو 1.6 مليار، وبلغت عدد الحسابات الادخارية نحو 6000 حساب بنمو يقارب 50% في هذه المحفظة.

 

بنك الفقراء

وبين اسمندر أن البنك شركة مساهمة مغفلة برأس مال 366 مليون ليرة، ومسجلة ضمن سجل تجاري، وتساهم الحكومة السورية في المصرف ممثلة بهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب شريك استراتيجي، وهو مؤسسة الاجفند التابعة لدول الخليج لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومجموعة من المؤسسات الخاصة وأشخاص عرب وسوريين، ويعتبر المصرف بنكاً للفقراء ويهتم بنشر ثقافة التمويل الصغير في المجتمع ويخضع لقرارات وأنظمة السلطة النقدية في سورية، ولكن الصعوبات الناتجة عن الأزمة أعاقت نمو دوره وحدت من انتشاره، ولاسيما أنه لم يمضِ على تأسيسه سوى عام حينها، وليصبح تقديم الخدمات التمويلية معقدة بشكل كبير.

أشبه بالمجاني

لكن الهيئة تعمل حالياً على معالجة إشكالية ضعف التمويل المقدم من مؤسسات التمويل الصغير، من خلال العمل على توقيع عدد من الاتفاقيات مع المصارف العامة تنص على تحمل الهيئة جزءاً من نسب الفوائد المطبقة على القروض الممنوحة، لكي لا تتجاوز الفائدة الـ3% للقرض الممنوح، معتبراً أن القرض سيكون بمنزلة القرض المجاني لدعم المشاريع التي تقتنع الهيئة بجدواها التنموية والاجتماعية المطلوبة، إلى جانب عملها باتجاه توسيع نشاطات أذرعها التمويلية من خلال التشبيك مع الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعي، مبيناً أن تطبيق هذه الآلية سيمكن الهيئة من إيصال الدعم  إلى جميع المشروعات التي يرغب أصحابها في تنفيذها.

تضافر جهود

واعتبر اسمندر أن بيئة العمل والمناخ الاستثماري في سورية مازال متأثراً بشكل كبير بظروف الأزمة، ولم تستعد عجلة الاقتصاد دورانها الطبيعي، وبالتالي فإن معظم المحافظات والمنشآت لم تخرج من دائرة تأثيرها الكامل، مؤكداً على ضرورة تضافر جميع الجهود في سبيل تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحقيق أعلى جدوى وكفاءة ممكنة في بعديها التنموي والاجتماعي.

فاتن شنان