الإضراب العام يشلّ تونس.. واتحاد الشغل يهدّد بالتصعيد
تونس-البعث-محمد بوعود:
شلّ إضراب عام في الوظيفة العمومية والقطاع العام، كل مظاهر العمل والنشاط في كافة أنحاء تونس، ووضع البلاد على حافة توتّر أمني واجتماعي وسياسي غير مسبوق، تخوّف منه الجميع، وأثّر في كامل مناحي المشهد العام، وخلق حالة من التوجّس والخوف من المجهول، سيطرت على الخطاب الإعلامي، وعلى الأروقة السياسية وعلى اهتمامات الرأي العام.
وقد أتى هذا الإضراب على خلفية توقّف المفاوضات بين الحكومة الاتحاد العام التونسي للشغل، حول الزيادات في أجور الوظيفة العمومية، بعد أن لم يتّفقا في المبالغ المرصودة من قبل الحكومة، والمطالب المطروحة من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل. وهي مفاوضات انطلقت منذ حوالي السنة، تمكّن خلالها الطرفان من تحصيل اتفاقية في القطاع الخاص، وأخرى في القطاع العام، لكن تعذّر عليهما ذلك في الوظيفة العمومية، ووصلت المفاوضات الى طريق مسدودة، أجبرت الاتحاد على خوض إضراب عام، عطّل كافة الأنشطة الإدارية الرسمية في البلاد.
وتعدّ الوظيفة العمومية في تونس من أكبر القطاعات المشغّلة، حيث تقول الأرقام الرسمية أنها تحتوي على أكثر من سبعمائة ألف موظّف، في قطاعات حساسة كالصحة والتعليم والجامعات والبريد والأمن والجيش، وتستهلك أكبر حجم من الأجور، قيل في مجلس نواب الشعب إنه يستنفد أربعة وعشرين بالمائة من ميزانية الدولة، ويقدّر بحوالي أربعة عشر مليون دولار.
وقد شلّ الاضراب العام مطار تونس قرطاج الدولي، وباقي المطارات الدولية والداخلية، وتعطّلت كل الموانئ، وأهمها ميناء رداس/حلق الوادي بالعاصمة، والذي يُعتبر الشريان الحيوي للاقتصاد والسياحة.
كما شلّ الإضراب أيضاً محطات النقل البري ومراكز الخدمات والمراكز الصحية، وأغلقت جميع المدارس والثانويات والجامعات، ولم تقدر الحكومة على فتح أي مؤسسة عمومية، رغم استعمالها قرار التسخير، وهو قرار قانوني يجيز للحكومة تسخير بعض الموظفين العموميين والعمال للقيام بنشاط معيّن حتى ولو كانوا مضربين، وأعلنت ذلك في وسائل الإعلام وأصدرت بلاغاً سمّت فيه المؤسسات التي سيقع تسخير موظفيها لاستئناف العمل، لكن النقابات منعت فتح الأبواب وخرقت قانون التسخير.
وقد ألقى الأمين العام لاتحاد الشغل السيد نور الدين الطبوبي كلمة في الجمهور الذي احتشد بعشرات الالاف في ساحة محمد علي المقابلة للمقر المركزي لنقابات العمال، قال فيها: “إن الحكومة ماضية في قراراتها الخاطئة وسياساتها العشوائية التي أضرّت بالمقدرة الشرائية للمواطنين وألحقت شرائح واسعة من الموظفين والأجراء بصفوف الطبقات المفقّرة”، وأضاف: “إن عجز الحكومة على السيطرة على مسالك التوزيع والتزويد وانهزامها أمام المهرّبين والمحتكرين، جعلها تفقد السيطرة على الأسواق وتخسر معركة تعديل الأسعار والتحكم في الأسواق”.
وأوضح الأمين العام لاتحاد الشغل في كلمته في المضربين أن الحكومة انصاعت لإملاءات البنك الدولي، وأن الاتحاد كان تقريباً يتفاوض مع السيدة كريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي بصفة غير مباشرة، وهي التي فرضت على الحكومة التعنّت في الاستجابة لطلبات الموظفين والأجراء، وفرضت شروطها على الحكومة (التي قال عنها حكومة العمالة والتبعية لمؤسسات النهب المالية العالمية).
وقد استنفرت وزارة الداخلية منذ الصباح الباكر آلافاً من عناصر الأمن والحرس الوطني، وفرضت طوقاً أمنياً على الشوارع المؤدية الى قلب العاصمة والى مقر اتحاد الشغل، خشية من عمليات إرهابية أو تسلل عناصر إجرامية أو مخربين الى داخل التجمعات الاحتجاجية، وخوفاً من الانفلات الذي يمكن أن يؤدّي الى نتائج لا تُحمد عُقباها.
ولم تسجّل أي حوادث أمنية أو اشتباكات، وسارت كل التجمّعات الاحتجاجية في هدوء وبشكل سلمي.
وسبقت الإضراب قبل أيام مظاهرات حاشدة نظمها آلاف التونسيين في العاصمة تونس احتجاجاً على تدني مستوى الأوضاع الاقتصادية، فيما حمّلت الأوساط النقابية حكومة يوسف الشاهد المسؤولية عن العجز في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي وعدت بها ما انعكس حراكاً في الشارع وشللاً في مفاصل الدولة.
تجمعات شعبية تقاطعت مع الإضراب العام وشملت معظم المدن التونسية أمام مقار اتحاد الشغل ورفع المشاركون فيها لافتات تندّد بالحكومة وتطالب برحيلها، وأكدت “تونس ليست للبيع، وسنتصدّى لكل محاولات ارتهان القرار الوطني” في إشارة إلى عزم الحكومة التونسية الموافقة على إملاءات صندوق النقد الدولي.
بالمقابل، حذّر رئيس الوزراء التونسي من أن الإضراب سيكون مكلفاً للغاية، ليعود ويؤكّد أن الحكومة لا تستطيع رفع الأجور بالشكل الذي يطالب به الاتحاد، قاطعاً بذلك الطريق على أي حوار لاحق بهذا الشأن، ما ينبئ بتصعيد الموقف بين الاتحاد والحكومة.
بالتوازي، أشارت وسائل إعلام تونسية إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعيشها تونس ستزيد من حدّة الخلافات السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة نهاية العام الجاري وذلك بين رئيس الحكومة وحزب الرئيس التونسي “نداء تونس” الذي يدعو إلى تنحية الشاهد على إثر تلك الأزمة.
ويعاني اقتصاد تونس من أزمة حادة منذ عام 2011، مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم إلى مستويات غير مسبوقة.