ثقافةصحيفة البعث

ملتقى القصة بين الغرائبية والسريالية والمباشرة

أنواع القصة القصيرة وخصائصها ومقوماتها وموضع القصة بين الرواية والقصة القصيرة جداً، كانت متألقة في ملتقى القصة “بين ضفتين” في المركز الثقافي العربي-أبو رمانة- الذي اتخذ موضع التحليل والنقد من خلال التعقيب على كل قصة بإشراف الأديب أيمن الحسن وبتقديم الشاعر سليمان السلمان الذيي قال أن الملتقى يهدف إلى تطور فنّ القصة القصيرة، وتبادل الآراء لإغناء الأفكار والطروحات لاسيما أن المشاركين من أعمار مختلفة، منهم أدباء طبعوا مجموعات قصصية وأدباء جدد شاركوا بالمشهد الثقافي، ليصل إلى أن القصة القصيرة شطر من حياة يحكي عن زاوية ما دون استطالة أو تكرار للأحداث، فيقدم القاص شخوصه التي يراها مناسبة للتعليق على الأفكار والوصول بها إلى مغزى معين يخدم المجتمع والوطن، والقصة ترتكز على سرد فني موثق وفق الأحداث غنية بإشارات أكثر من تحليلات ممتدة إلى اتجاهات أخرى.
ويرى الأديب أيمن الحسن أن القصة جامعة لفنون عدة، فهي تأخذ من الشعر التكثيف، ومن المسرح الحوار، ومن الرواية السرد، ومن الدراما الصراع، لذلك لانستطيع أن نأخذ شخصية بسيطة ونبني عليها قصة، علينا أن نختار شخصية تعيش صراعاً، والصراع الأصعب هو صراع المرء مع ذاته لتحقيق أمر ما.
أما الموضوعات فكانت اجتماعية وذاتية ووطنية، فبدأت القاصة آمال شلهوب بقراءة قصتها”ساعة في مدار” التي من مسارها يتضح أنها قصة تقليدية رغم عنوانها الشائق بالسرد المتتابع المتضمن الوصف لمعالم شخصية المعلم وفيق الذي يعلم من الطبيب أنه مصاب بالسرطان وأن العلاج الكيماوي لا يفيد، فوصفت القاصة الحزن الذي يعتري بطل القصة بإقحام الطبيعة”الصباح الدامس” ومنعطفات الطريق، والمدرسة والطلاب الذين تجاهلهم، “جعلني جثة هامدة” وتأتي القفلة المدهشة بقول زوجته بعد أن فتحت المصنف” تسأله عن توفيق صاحب المصنف الذي ظن الطبيب أنه لوفيق”.
وفي قصة الأديبة ريم بزال “مقبرة جماعية” نقف إزاء قصة مختلفة وإن وشى عنوانها بالمضمون، اعتمدت بالسرد الحكائي على السينمائية، فكانت أقرب إلى السيناريو في تحركات الشخوص ووصف الحدث القائم على انتشار الغبار الذي بدأ كحالة يومية، ومن ثم تفاقم لنستشف منه برمزية واقع الحرب الإرهابية وتبعاتها”مشكلتي اليومية تراكم الغبار على سيارتي” لتعقد الجلسات بمبنى البلدية، وتبدأ أحداث الموت”أرملة مات رضيعها بذات الرئة”، ووصل الأمر إلى حدّ ارتداء أقنعة واستمرار الاجتماعات المكثفة، ليرى الروحيون بأن الغبار نتيجة تفشي سوء الأخلاق، في حين يرى العلميون بأن وراء هذا الوباء ظاهرة كونية، أما السياسيون فأكدوا أنها مؤامرة ضخمة، وكثُرت التكهنات.
ووصلت القاصة إلى ذروة الحدث بموت الجارة الساكنة في الطابق الأول مما جعل السكان يهرعون إلى الطابق العلوي، لتنتهي بنشرة الأخبار” العثور على مقبرة جماعية”.
القاص عبد الله النفاخ اقترب بأجواء قصته من الذاتية”جدد حياته” معتمداً على خاصية المنولوج لنقرأ فيها المحاولة على التغيير والانتصار على الذات وتحسين أسلوب الحياة الدائر حوله، مبتدئاً بوصف رائحة غرفته العفنة والتطلع إلى النوافذ”لم يشمّ غير رائحة غرفته المتآكلة” ليصل في النهاية إلى أنه أحسّ بأن شعور اليأس لايناله”. بينما في قصته الثانية”كل الشمس في قلبي” اقترب من المباشرة بالتطرق إلى أجواء الحرب من خلال حوارية بين البطل ورجل حزين يحمل أدوية لبناته اللواتي فقدن القدرة على الكلام، ليعود إلى الماضي ويستحضر صورة ما حدث حينما داهمهم الصاروخ فتهدم البيت، وانتشلت زوجته من تحت الركام واضطر الأطباء لبتر ساقها بعد أن كانت تنزف بغزارة، لتنتهي القصة بالقفلة التي تختزل مضمون القصة” أما تزال الحرب تغمرنا بأوجاعها”.
وتقاطع القاص أحمد رزق حسن بقصته “حراس الفجر” مع النفاخ في جانب ما، ليغرق القاص حسن بتفاصيل مشهد حربي من المعركة الحاسمة في أجواء انقطاع الاتصال مع القيادة وتحكم الحصار، بوصف الحدث مباشرة “ينسدل على صدره ناضور عسكري، يراقب تحركات الكتيبة، متوجساً من أي خطر قادم” ليصل الجميع إلى قرار المواجهة “لن نستسلم” وقد تمكّن القاص من شد اهتمام وتفكير المتلقي إلى مجريات المعركة.
القصة الأخيرة اتسمت بالغرائبية والغموض والرمزية وقد وصفها أيمن الحسن بالقصة السريالية للقاص نزار مزّهر بقصته “امرأة شقراء” والتي بدأت بوصف لوحة لدمشق تزينها أسوار الياسمين وريشة، ومن مدارات القصة نكتشف أن المرأة الشقراء كانت تأكل الأطفال، وأن الريشة تحولت إلى سكين تقتل الشيوخ والأطفال والشباب. وفي قصته”للشمس أسماء أخرى” والتي تُرجمت إلى الألمانية والتي تدور بصوت الابن الذي كان بطل القصة يروي برمزية حكاية أمه مع السرطان، ويحاول أن يقنعها بأن الشمس تأخذ شعرها لتعيده بعد عام.
وبعد كل قصة كان الأديب أيمن الحسن يقدم إضاءات نقدية طالت العناوين الموحية والمباشرة، وتحدث عن بعض المفردات والعبارات التي وجد أنها مقحمة أو غير مناسبة، وأثنى على الرمزية، ليتوقف عند خاصية الخيال ليشدد بأنه كلما تضمنت القصة الخيال كانت أقوى من الاعتماد على الواقعية المباشرة.
ملده شويكاني