ثقافةصحيفة البعث

الشّيخوخة المبكّرة واقع لا خيال اخترعته السّينما

نجوى صليبه

منذ فترة قريبة، نعت وزارة التّربية وكلّ من شارك في لجنة تحدّي القراءة الطّالب يعرب صالحة الذي يعاني مرضاً نادراً، وفي بيان نُشر عبر حسابها على الـ “فيسبوك” قالت الوزارة: “غادرنا يعرب صالحة قبل أن يعرف نتيجته في تحدّي القراءة.. يعرب صالحة شاب من ذوي الهمم في الثّالثة عشرة من عمره، ولدٌ يحمل مرض إعاقة خلقية – بروجيريا أو الشّيخوخة المبكّرة – الإعاقة التي جعلت منه طفلاً مختلفاً قليلاً عن أقرانه، لكنّها كانت دافعاً لديه ولدى أسرته التي آمنت بقدراته للاستمرار ومواجهة كامل الصّعوبات في الحيّ والمدرسة وفي كل مرافق حياته اليومية”.
وتبيّن الوزارة: “شارك صالحة في مسابقة تحدّي القراءة العربي للموسم السّابع وتأهّل للدّور النّهائي على مستوى الجمهورية العربية السّورية لذوي الهمم.. افتقدناك يا يعرب وافتقدنا تعليقاتك الرّائعة التي أبهرت فيها لجان التّحكيم”.
بدوره، نعى الدّكتور جمال أبو سمرة ـ عضو في لجنة التّحكيم ـ الطّفل يعرب بالقول: “ستفتقدك الكتب يا يعرب، لقد كنت مثالاً يُحتذى به في الإصرار والتّحدي وتخطّي العوائق والصّعوبات”.
وأمّا علميّاً فالمرض وراثيٌ نادر الحدوث يسبب التّقدّم بالعمر، وفي المتوسط يعيش الأطفال 14 عاماً فقط، ويموت معظمهم في سنّ المراهقة بمرض تصلّب الشّرايين، وقد كانت المعلومات حول هذا المرض في أواخر القرن العشرين قليلة جدّاً، وقد تمّ التّعرّف عليه بسبب طفرة جينية ببروتين بروجين الذي يستقرّ في نواة الخلية بشكلٍ دائم فيعطي لها شكلاً غير اعتيادي يحدّ من قدرتها على الانقسام بسبب الشّيخوخة المبكّرة.
حالة أخرى تشبه حالة الطّفل صالحة وهي طفلة أوكرانية تدعى “كاترينا” من مواليد عام 1995 تحمل ملامح عجوز في السّتين من عمرها، يتخلّى عنها والدها وتربيها والدتها إلى أن تكبر وتتزوّج من شخص عدواني وتنجب منه طفلين، الأوّل “غليب” بصحّة جيّدة، وأمّا الثّاني “مايكل” فيحمل مرضها ذاته، ما دفعها إلى طلب الطّلاق لحمايته من عدوانية والده، ويعتقد البعض أن قصّة “كاترينا” قد حوّلت إلى فيلم سينمائي، لكن في الحقيقة عندما أخرج الأميركي “ديفيد فينشر” عام 2008 فيلماً درامياً رومانسياً صنّف على أنّه خيالي اسمه “الحالة المُحيرة لبنجامين بتن” بناه على قصّة قصيرة تحمل الاسم ذاته وصدرت في عام  1922 للكاتب الأمريكي “فرنسيس سكوت فيتسجيرالد”، ويروي الفيلم حياة رجل يتقدّم بالعمر بالعكس، أي يخلق عجوزاً يصغر إلى أن يصبح رضيعاً.
يعتمد “فينشر” في هذا الفيلم على أسلوب الحكاية، إذ يبدأ في عام 2005، تحديداً من مستشفى ترقد فيه سيدة تُدعى “ديزي ـ كيت بلانشيت” البالغة من العمر 81 عاماً، تطلب من ابنتها “كارولين ـ جوليا أورموند” البالغة من العمر 37 عاماً قراءة مذكرات تحتوي صوراً وبطاقات بريدية كتبها “بنجامين بتن ـ براد بيت”، ومع بداية قراءتها تبدأ حكاية “بنجامين” الطّفل الذي يولد في شهر تشرين الثّاني من عام 1918 على شكل عجوز ثمانيني تتوفى والدته فور ولادته فيرميه والده أمام دار لرعاية المسنين، وتربيّه “كويني ـ تاراجي بيندا هينسون” وزوجها تيزي “ماهرشالا علي” العاملان في الدّار.
يبدأ جسم “بنجامين” بالنّمو بالعكس ليبدو أصغر سنّاً، ففي عام 1930 يقابل السّبعيني فتاةً عمرها 12 سنة تدعى “ديزي” تزور جدّتها في الدّار، ويلعبان معاً ويستمتعان بحكاياها الجميلة، وفي عام 1934 يبدأ العمل في سفينة وعلى متنها يلتقي والده أوّل مرّة، لكن من دون أن يعرف أنّ هذه الحقيقة المرّة، وفي عام 1936 يبحر إلى شاطئ آخر، وبعده إلى شواطئ عدّة، وكان في كلّ مكان يرسو فيه يرسل بطاقات بريدية إلى “ديزي”، ليعود أخيراً في عام 1945 إلى دياره الأولى ويقابل “ديزي” وقد بلغت من العمر 21 عاماً وأصبحت راقصةً ناجحةً ومشهورة، وبعدها بسنتين يلتقي والده مرّة أخرى، ويعبّر له عن ندمه ويحاول التّكفير عن ذنبه بتوريثه كلّ ما يملك من منازل وسفن.
يمضي الوقت ويصغر “بنجامين” في العمر أكثر، وفي عام 1962 يقع في حب “ديزي” ويعيش معها في شقتها، وبعد سنوات يرزقان بطفلتهما “كارولين”، عندها يعطيها كلّ ما يملك ويهجرها لأنه شعر بعجزه عن تحمّل مسؤولياته كأب ولأنّ “ديزي” غير قادرة على تحمّل مسؤولية طفل جديد، ثم يلتقيها مرّة أخرى وقد بلغت من العمر 56 عاماً وتزوّجت من رجل آخر، لكنّهما يتواعدان ثمّ يفترقان مجدداً لأنّها أصبحت كبيرةً جدّاً عليه وهو الذي يصغر أكثر فأكثر، ففي عام 1991 تتلقّى “ديزي” مكالمة من نشطاء اجتماعيين يخبروها بأنّهم وجدوا “بنجامين” وقد بدا بعمر الـ 12، وأنّه يكرر اسمها في مذكّراته وأنّه لا يتذكّر أي شيء عن ماضيه، حينها تنتقل “ديزي” إلى دار الرّعاية وتعتني به بعد أن فقد قدرته على المشي والكلام، ليتوفى في حضنها طفلاً رضيعاً في عام 2003.
هكذا قاربت السّينما مرض الشّيخوخة المبكرة أو هكذا رأته وقدّمته، لكن هناك الكثير ليقال حول الفيلم نفسياً وطبيّاً واجتماعيّاً وفكرياً، أمّا فنيّاً فيكفي التّذكير بأنّ المخرج جنّد سبعة ممثلين لأداء شخصية “بنجامين” بكلّ مراحلها العمرية.