الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

آه مطلوبة للتحقيق!؟

 

د. نهلة عيسى
اليوم أكملت الحرب في بلادنا الحزينة, الألفين وثمانمائة وسبعين يوماً من عمرها المر, واليوم نسير حثيثاً إلى نهاية العام الثامن وبداية التاسع من موتنا, حسب آخر خطوط موضة الموت في العالم, ويحق لنا تصدر موسوعة “غينيس” بجدارة, بأننا الشعب الوحيد في العالم على مدار تاريخ العالم, لم يبق نوع من السلاح, ولا أسلوب من أساليب القتل, إلا وجربت فيه, ومورست عليه, إضافة إلى البرد, والعتمة, وتخوين ممثلينا لنا, لأننا قلنا في لحظة وجع آآآآآآه!
ورغم أن شتاءنا صقيع, وقماش الصبر لم يعد ساتراً لعري كل ما في حياتنا, إلا أن الآه مطلوبة للتحقيق معها وليس فيها, في أبعد الأمكنة عن البال: مجلس الشعب!؟ وكأن القدر يريد أن يؤكد لنا ما نعرفه بحكم العشرة والألفة والخبرة وتقاليد حكوماتنا ومجالسنا, أن العام الحابي الآن, سيكبر ويمشي ويركض, وهو يرتدي ملابس أخوته الثمانية, بقضها وقضيضها وثقوبها وخرومها وكلاحة ألوانها, مضاف عليها رقعة جديدة, مكتوب عليها: ممنوع الآه!!
ولأن السطور التي أكتبها هنا, هي دفاتري العلنية, التي لا تخجل من قول الآه في وجه الوطن ولأجل الوطن, قررت اليوم أن أصرخ بعلو صوت جميع من في الوطن: آآآآآآه, وأن أطالب برجع صدى, يخبرني عن نهاية لدائرة الطباشير الموضوعين نحن في وسطها, بينما يتبارى الجميع في تجاذبنا, وتمزيقنا بزعم حبنا والخوف علينا, والسعي لإرضائنا.
وبالرغم من أن الكلام, والحروف, والإشارات صنعتي وحرفتي, إلا أنني أجد صعوبة في التهجئة وأنا أكتب: إننا نعرف أن بردنا لن يستمر, ونورنا لن يبقى شحيحاً, والخدمات من تراجع إلى قلة أحياناً, بفعل ثماني سنوات لم يبق لنا فيها حليف سوى الصبر, ورجال عاهدوا الله والوطن على الموت أو النصر, ولكننا فقط كنا نريد أن يقال لنا من ولاة أمرنا: أنهم يحاولون, فقط يحاولون أن لا تكون الجينات الوراثية للقادم من أيامنا, حفيدة ما سبقها من أعوام, وأن النهارات الخادعة, والليل البهيم ستنتهي في حضن أمل مازال يقاوم سكرات الموت, بأن الغد سيشبه من دافع عن الغد, واستشهد على أبوابه!؟
هل تريدون الحق؟ بحق.. لا أعرف ماذا أقول؟ ولا ماذا أكتب عنا نحن الذين نعيش زمناً, تحول فيه أولادنا وطلابنا إلى خصوم رأي ودم, قبل أن يتعلموا معنى الرأي وحرمة الدم, بل قبل أن يجيد أحدهم موضع الهمزة, ويتوقف عن استبدال القاف بها, وعن جرجرة سيبويه من قبره مذعوراً مقهوراً, وهو يستمع لقراءاتهم تعجن النحو والصرف في مقلاة الدلع واللامبالاة, فتصبح الصاد سيناً, ويصبح المرفوع مجروراً, والحرف المشبه بالفعل فاعلاً, وحرف الوجوب, حرف امتناع, والمتنبي رجل أعمال, والآه من كل هذا للشكوى منا.
ماذا أكتب لأنسيكم ما نحن فيه, هل أعارض في قصيدة شوقي أو طوقان؟ وطوقان شبيه زرقاء اليمامة, أبصر في رماد وعد بلفور, حرائق “الربيع العربي”, ونعى في زمن الوفاء, الأوفياء, وحذر في زمن كان الكتاب فيه متوجاً باسم لزوميات المعري, ونسبية اينشتاين, ورأسمال ماركس, ومدنية ابن خلدون, من زمن الكتب فيه على الأرصفة, عناوينها: عذاب القبر, واستخراج الشياطين, وتحضير الأرواح, وفتاوى ابن تيمية، وإياكم والآه.