ثقافةصحيفة البعث

عصام يوسف.. المدينة بيضاء ومشغولة بزينتها

افتتح هذا الأسبوع معرض الفنان عصام يوسف في ثقافي أبو رمانة وقد ضم المعرض عدداً من اللوحات الحديثة والمتنوعة، إلا أن الطابع العام للمعرض يحمل دلالة واضحة على شغف الفنان بالمدينة وتصوير جوانياتها الحميمة بروح متفائلة تنظر إلى شرفات الغد والفرح، فقد قدم لوحة تحتشد بالعمارة المتراكبة والمتعانقة وصورها بريشته من مكان فسيح حتى يخال لنا أن الفنان يقف على منصة بحرية في مواجهة المدينة بشرفاتها وأطلال بيوتها ونوافذها، يرسم بألوان العيد هذه المدينة الساحلية المشابهة لدمشق والمدن السورية بساحاتها ومهرجاناتها البيضاء، ويوشيها بعناصر أليفة تضيف للمشهد واقع من الحلم “الديك– المرأة– الرجل– السمكة والعصفور يتشاركان في سماء لا تتسع إلا لطائرات الورق والبالونات” الملونة والغيوم الخفيفة مثل سراب القصيدة المربوطة بخيط فرح ينطلق نحو الفضاء، ربما تكرر المشهد في أكثر من لوحة لكن روح المعالجة التقنية أكسبت حوارية الفنان مع اللون والخط خبرة حسية لا يلتقطها إلا ذكاء المتتبع المحب لشخص الفنان اللطيف الدمث والحريص على تقديم رسالته البصرية بعناية المحب ومسؤولية الحريص على إيصال المعنى، هذا الروي البصري يقترب من لغة أدبية خبيئة تشغل الفنان أيضا تتضح من خلال تكرار الفكرة بغية توكيدها وقليل من روح “الموتيف” المناسب لقصيدة أو حكاية ود مزخرفة بتلك النقوش التراثية.
تتميز لوحة عصام يوسف بعمارة المهندس الرسام بتكويناتها القائمة على البنائية من القاعدة للأعلى مما يؤمن ارتكازا في التكوين، كما يستعين ببعض القطوع الهندسية والملونات المشتقة من درجات متقاربة متآلفة حذرة من كسر رتابة التكوين دون الوقوع في قساوة المسطحات الهندسية وسذاجة التزيين، كما تغطي بعض المساحات باللون الأبيض وبعض الدرجات الفاتحة لجعل فضاء اللوحة قادرا على التنفس وتحقيق الرحابة والسعة على سطح شغلته المفردات الصغيرة والمربعات الملونة الموزعة بخبرة وصولا إلى الانسجام المنشود، مما جعل هذا المناخ محببا وإن كان حاشدا ومشاغبا أحيانا.
هذا التبسيط الخجول لم ينقذ الفنان من حضور شخصية الرسام الواقعي المبسط للمشهد والذي ينزع نحو التأليف واستجلاب مفردات مكررة تفعل فعلها في إرضاء الذائقة الباحثة عن الصورة القريبة حيث تطمئن للألفة أكثر من تلك النزعات التجريدية والاستعراضات التقنية للمادة الصباغية أو حركة الخط الملونة حيث الدهشات العميقة والمغامرة التشكيلية، فنحن أمام شخصية مطمئنة وتثق بمفرداتها المحفوظة والمتفق عليها في أغلب أعمال التصوير الزيتي حاليا في الواجهة الفنية التشكيلية، فلا كائنات غريبة ولا ملامح للخوف أو القلق، بل يكتفي الفنان بما يثق من عناصر ومن عاطفة يكسوها لهذه المدينة العامرة بالبياض والشرفات الملونة. نلحظ في جانب آخر أن هناك بعض الأعمال المعروضة تنحو منحى مغايرا في موضوعها تحاكي فن البورترية والتشخيص الآدمي بلغة تقترب من التعبيرية في المعالجة اللونية والغرافيكية، إلا أن لغة الإعلان البصرية تعلو في الخلفية المسطحة حيث البساطة واللون الصريح المباشر يتقدم إلى الواجهة على حساب العنصر الأساس الذي يحمل قيمة العمل وصلبه، لكن تبقى شخصية الفنان هي ذاتها واضحة في كل الأعمال ومن حقه أن يقتحم عوالم تجريب جديدة ربما ينجح ويذهب بما وجد حيث يحب, كون الفن اكتشافاً وشغفاً دؤوباً، فلا استقرار أو طمأنينة لعاشق يبحث ويجتهد.

أكسم طلاع