المصداقية الأمريكية
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع ناشينونال انترست 15/1/2019
ما الذي يحدّد “مصداقية” الولايات المتحدة كقوة عالمية؟ من حيث السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي، من يحدّد ما إذا كانت أمريكا حليفاً “ذا مصداقية” أم خصماً؟.
للحفاظ على مكانة أمريكا كقوة عالمية فإن مصداقية الولايات المتحدة مهمّة، لأن خصوم الولايات المتحدة يجرون حسابات لا تتعلّق بالنوايا الأمريكية فحسب، بل يضعون المصداقية الأمريكية في الاعتبار، ولكن إلى أي مدى ينبغي أن تحدّد المصداقية وحدها سياسة أمريكا الخارجية وإستراتيجيتها الكبرى؟.
من دون شك، فإن السياسة الخارجية لأية دولة لديها أهداف متعددة، تحديد التهديدات التي تواجه الأمن القومي، وتوضيح رؤية للمستقبل، إلى كلّ من الأصدقاء والخصوم على حدّ سواء، لكن ربط الأمن بالمصداقية ليس بجديد، فخلال الحرب الأمريكية على فيتنام، زعم رؤساء الولايات المتحدة أنهم يمثلون هيبة الأمة، وبالتالي القدرة على التأثير على بقية العالم، وأُسند إليهم التصرف للدفاع عن المصالح الأمريكية وتوسيعها.
وفي حزيران 1965، بينما كان صنّاع السياسة في واشنطن يناقشون التصعيد في جنوب فيتنام، جادل مستشار الأمن القومي ماكجورج بوندي الرئيس ليندون جونسون بأن أي أعمال أمريكية في جنوب شرق آسيا “يجب أن يتمّ النظر إليها من حيث تأثيرها على مصداقية الالتزامات الأمريكية في جميع أنحاء العالم”. لكن بعد أربع سنوات لم يتغيّر شيء يُذكر، وتحدث هنري كيسنجر، خليفة بندي في كثير من الأحيان عن “ثغرات محتملة في المصداقية”، عندما كان يدافع عن استخدام القوة العسكرية لتغطية خطط انسحاب الرئيس ريتشارد نيكسون من فيتنام. وحتى بعد الحرب كان نيكسون أكثر مباشرة بالقول: “لم يكن الأمر بأيدينا عندما أصبح من الضروري استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدام القوة، لإثبات مصداقيتنا ولجعل خصومنا يحترمونها”.
من المؤكد أن كلا الرئيسين قد خلطا هيبتهما الشخصية مع مسائل الشرف الوطني. في النهاية، اعترف كلّ من جونسون ونيكسون بأن المصداقية على المسرح العالمي كانت جزءاً لا يتجزأ من الإستراتيجية الأمريكية الكبرى، إن لم تكن السياسة الخارجية الأمريكية واضحة.
لذلك يجب على الأمريكيين، بصرف النظر عن الأحزاب السياسية، أن يسألوا عن تشابك هيبة الرئيس الخاصة مع هيبة الأمة، حيث حدث ذلك في كثير من الأحيان أثناء الحرب على فيتنام. إن من الغطرسة خوض الحروب أو تفكيك التحالفات ببساطة لإرضاء نزوات الرئيس الشخصية. كذلك الأمر، فإن من الخداع أن يتمّ التضحية بالدم والثروة لسبب وحيد هو الجري وراء إحساس غير واضح بالمصداقية القومية، يجب أن تكون القرارات المتعلقة بالإستراتيجية الأمريكية الكبرى أكثر من مجرد الحديث عن هيبة الأمة.
هناك من يتساءل من الذي يحدّد مصداقية أمريكا؟ هل هو رئيس زئبقي يكره تلقائياً من يظنّ أنه قد قلّل من قدره؟ هل هو وزير دفاع يصرّ على دعم الحلفاء في أعقاب آخر خطبة ساخرة للرئيس؟ وما هو الدور الذي يلعبه المواطنون الأمريكيون؟!.
يعتقد بعض الأمريكيين أنه ينبغي أن تشمل مصداقية أمريكا الحسّ السليم بقيمها الأساسية، والالتزام بالمثل العليا التي ترفعها بدلاً من أن تحطّ من قدرها في أعين العالم. إنها تنطوي على الثقة التي يتمّ كسبها، يجب أن يشمل ذلك ما يمكن الاعتماد عليه من قبل أصدقاء الولايات المتحدة وأن يكسب احترام خصومها، وليس من الضروري أن يشمل ذلك مجرد دعوة الرئيس لاستخدام القوة العسكرية بذريعة الحفاظ على إحساس غامض بالشرف أو الهيبة!.
وإذا كان الأمريكيون قلقين في هذه الأوقات المضطربة بشأن مصداقية أمريكا في الخارج، فعليهم أن يكونوا أكثر دقة في تحديد هذا المصطلح بشكل جماعي. وبالقدر نفسه من الأهمية، ينبغي مطالبة صنّاع القرار السياسي أن يوضحوا بشكل أفضل كيف ترتبط “مصداقية أمريكا” بمصالحها الأمنية؟!.