دراساتصحيفة البعث

فنلندا والسويد.. خسارة الاستقلال مقابل الحماية الوهمية

هيفاء علي

يبدو أن حلم واشنطن الذي طالما حلمت به في جذب دول شمال أوروبا إلى التحالف الأطلسي قد تحقّق بعد انضمام السويد وفنلندا إليه نتيجة تعرّضهما لضغوط أمريكية، وهما اللتان كانتا مقدمتين على أنهما “دعاة سلام” و”على الحياد” منذ فترة طويلة في البحار الهائجة للسياسة العالمية.

والسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان تخلي السويديين والفنلنديين عن الحياد له ما يبرّره، وما هي مزايا فقدان الاستقلالية مقابل الحماية الوهمية؟. حقيقة، يشير محللون إلى أن ستوكهولم وهلسنكي لم تدرجا على قائمة الأهداف ذات الأولوية لروسيا، بل على العكس كانت علاقاتهما محايدة أو ودية بشروط. بالإضافة إلى أن عدد الأفراد في جيوش الشمال ليس كبيراً قياساً إلى جيوش دول حلف الأطلسي الـ30، بمعنى لا تتمتّع القوات المسلحة لهاتين الدولتين المرشحتين للانضمام إلى الناتو بثقل كبير، إذ يوجد في السويد 14600 جندي نظامي مع 10000 فقط من جنود الاحتياط، وفنلندا لديها 19250 جندياً نظامياً و238000 احتياط، وتمتلك الدولتان قوات دفاعية بحتة غير قادرة على شنّ هجوم واسع، حيث يمتلك الفنلنديون 200 دبابة، ونحو 500 مركبة قتال مشاة مدرعة، و750 ناقلة جند مدرعة، وأكثر من 3000 قطعة مدفعية، و50 طائرة، وما يصل إلى 20 طائرة هليكوبتر، وأكثر من 20 سفينة حربية. في حين تمتلك الترسانة السويدية أكثر من 500 دبابة، و96 مقاتلة، وما يزيد قليلاً عن 450 قطعة مدفعية، و5 غواصات، وأكثر من 30 سفينة.

وبحسب المحللين الغربيين، فإن هذه الترسانة لا تملك الوسائل لـنشر القوة خارج حدودها، وبالتالي ما الذي يمكن أن تأمله السويد وفنلندا من الانضمام إلى حلف الناتو في حالة نشوب حرب عالمية ثالثة؟ هل تأملان في الحفاظ على تراثهما الثقافي وكسب المال من بيع الأسلحة والموارد؟.

من جهة أخرى، في حال نشوب صراع ما بين الناتو وروسيا، فسوف تجد فنلندا والسويد نفسيهما في موقف حرج، حيث لا يسمح القرب من الحدود الروسية بنشر دفاع فعّال مضاد للصواريخ، وبالتالي من غير الواضح ما إذا كان قادة الدولتين قد نجحوا في أن يشرحوا لشعوبهما كل “مزايا” عضوية الناتو و”الأمن” تحت المظلة النووية الأمريكية والبريطانية والفرنسية.

من الناحية الإستراتيجية، يكتسب الناتو ما يقرب من 800 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الجديدة في المنطقة المجاورة مباشرة للحدود الروسية، ولا يزال من المبكر الحديث عن ميزة كبيرة للقوات على هذه الحدود. علاوة على ذلك، سيلزم الغرب من الوقت عدة سنوات لإعادة تشكيل القوات المسلحة لهذين البلدين في شمال أوروبا. كما من السابق لأوانه أيضاً الحديث عن نشر أسلحة هجومية تهدّد روسيا بشكل مباشر، لأن بروكسل ستحرص على عدم إثارة حرب، بينما تشكل المطارات الخاصة بطيران الناتو في فنلندا تهديداً خطيراً لشمال غرب روسيا. وكذلك بحر البلطيق، الذي سيصبح بالتأكيد بحراً داخلياً للناتو.

وبالإضافة إلى خسائر ما تبقى من استقلالية الحكم، ستعاني هلسنكي وستوكهولم من أعباء مالية جديدة مرتفعة، حيث يقتضي الانضمام إلى حلف الناتو إنفاق ما لا يقلّ عن 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. سابقاً، لم تلتزم العديد من الدول هذه القاعدة، ولكن بعد 24 شباط الماضي، عزم الناتو على تسليح نفسه حتى الأسنان، وستنطبق هذه القاعدة أولاً وقبل كلّ شيء على الأعضاء الجدد. وفي حال نشوب صراع، سيتعيّن على الفنلنديين والسويديين احتواء روسيا في الشمال، وهذا هو السبب في أن الحلف سيراقب بدقة عملية إنقاذ الميزانية العسكرية.

في هذه اللعبة، تتطلع صناعة الأسلحة الأمريكية بشكل خاص إلى السويد التي تمتلك صناعة عسكرية قوية على عكس فنلندا، حيث تعدّ التكنولوجيا العسكرية عالية المستوى من الطراز العالمي قادرة على تصنيع صواريخ مضادة للسفن، وبناء مقاتلات من الجيل الرابع، وأنظمة كشف، وقيادة محمولة جواً. إضافة إلى ذلك، يعدّ مصنّعو الأسلحة السويديون من بين أعظم عشرة مستكشفين في العالم، وهذا الأمر لا يروق على الإطلاق لواشنطن، التي تعمل بنشاط على صناعتها العسكرية كجزء من العملية الخاصة في أوكرانيا، وهذا هو السبب في أن الموت البطيء ينتظر صناعة الأسلحة السويدية تحت ستار تحسين معايير الناتو!.