صحيفة البعثمحليات

حُكم جناية التهريب.. هل يتماشى مع المسير الحكومي لمكافحته؟! مهربــــون يســــتغلون القانــــون لمصلحتهـــم وقاضٍ يدعـــو لإيلام التجـــار برفـــع الغرامـــات

 

دمشق – ريم ربيع
تحاول مختلف الجهات الحكومية والرقابية وعبر تكثيف جهودها مؤخراً لمحاربة ظاهرة التهريب ومكافحتها إظهار أكبر قدر ممكن من الجدية بالتعامل مع تلك الظاهرة نظراً لخطورتها وتأثيرها على كافة مفاصل الدولة، وما كان من رئيس الحكومة المهندس عماد خميس إلا أن أكد خلال اجتماعات عدة على أن مكافحة الظاهرة ستكون أحد العناوين الرئيسية للعمل الحكومي خلال 2019، وجعل الأسواق السورية بشكل عام خالية من المواد المهربة. وفيما يستوجب هذا الأمر جهوداً متضافرة من كافة المعنيين، تبقى الكلمة الأخيرة والحاسمة لـ “ميزان العدل” الذي يحكم ويعاقب ويفترض أن يشكل الرادع الحقيقي لكل من يحاول استغلال أي ظرف كان ليهرب مواد خارج أو داخل البلاد. فهل يصيب القضاء وتشريعاته وقوانينه بتأدية دوره الحقيقي في مكافحة التهريب.؟

تفعيل وتكامل
رئيس محكمة الجنايات الثانية بدمشق القاضي المستشار زياد الحليبي يؤكد أنه رغم جهود الجهات كافة فإن وزارة العدل معنية بترجمة التوجه لمكافحة الفساد والتهريب والوقاية منه بالتكامل مع الهيئات المركزية للرقابة والتفتيش، موضحاً أن عمليات التهريب ازدادت أثناء الأزمة طمعاً بالمال واستغلالاً للظروف الأمنية عند الحدود، حيث عملت بها العصابات الإرهابية لتهريب الأسلحة، وأن كافة الجرائم التي ضبطت تم إحالتها للقضاء لمحاسبة فاعليها، وصدرت بهم الأحكام القضائية وفق القوانين المرعية. داعياً إلى تفعيل الجهات الرقابية ورفع يدها عن بعض الملفات، وعدم التأخر بإحالتها إلى القضاء ليتم النظر فيها.

عقوبة رادعة!
وكان القانون رقم 13 /1974 عرّف جناية التهريب بإدخال البضائع من خارج القطر إلى داخله أو بالعكس بطريقة مخالفة للقانون، مثل تهريب المخدرات والنقود والأسلحة والمعادن الثمينة والسيارات والأدوية، ما يلحق ضرراً بالخزينة العامة عن طريق الهروب من دفع الرسوم، وأمن الدولة إذا كانت أسلحة، والصحة العامة إذا كانت أدوية. وحدد القانون عقوبة التهريب أو الشروع به وتهريب المواد الخاضعة للرسوم أو الممنوع أو المحصور استيرادها أو تصديرها أو المواد المقيد استيرادها أو تصديرها بقيود صادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، بالاعتقال من ثلاث سنوات ‎إلى ست سنوات، وبغرامة لا تقل عن مثل قيمة المواد المهربة ولا تزيد عن عشرة أمثالها. وهي عقوبة رادعة حسب الحليبي الذي يرى أن القانون جيد في حال تطبيقه بدقة، كما أنه أتاح للقاضي عدم منح أسباب مخففة تقديرية في حال وجود تكرار؛ إذ أعطى نص القانون إمكانية التشدد ببعض الحالات. لافتاً إلى أن العقوبة تضاعف إذا كان الفاعل من العاملين في الدولة، وارتكب الفعل الجرمي مستغلاً وظيفته. أما إذا كانت البضاعة موضوع التهريب أو الشروع فيه من المواد المخدرة يحكم بالأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى عشرين سنة، وبغرامة لا تقل عن ستة أمثال قيمة المواد المخدرة ولا تزيد عن عشرة أمثالها إن لم يقع الفعل تحت طائلة قانون يقضي بعقوبة أشد.

مؤلمة..!
ويوضح الحليبي أن المشرع “أغرى” المدعى عليه بتخفيف العقوبة في حال أجرى مصالحة مع الجمارك ودفع الغرامة التي قد تتضاعف في بعض الأحيان من مليون ليرة إلى 6 ملايين، مقترحاً أن يتم تعديل القانون لناحية تشديد العقوبات بالغرامات دعماً للاقتصاد وردعاً للتجار، وأن تكون العقوبات مالية كما الدول المتقدمة كونها الأكثر إيلاماً للتجار، خاصة أن القانون عامل أصحاب المحال التجارية وحائزي المواد الجرمية بقصد الاتجار بها مع علمهم بأنها مهربة نفس معاملة المهرب، إضافة إلى الشركاء والمتدخلين وأصحاب وسائط النقل المستخدمة في التهريب أو نقل المهربات إذا كانوا يعلمون أن البضاعة مهربة، وأصحاب أو مستأجري المحلات والأماكن التي أودعت فيها المهربات.
ورغم صعوبة حصر عدد الدعاوى كشف الحليبي أنه بالنسبة لدمشق قارب عدد الدعاوى في 2018 حوالي 100 دعوة (تهريب من معابر حدودية ضبطت بموجب عقد نظامي)، في حين يلجأ كثر لمعابر غير نظامية يصعب ضبطها.

ثغرات
ولم يعتبر المرسوم 26/2005 ضبط مواد غير مصرح عنها في المركز الجمركي جرم تهريب، حيث عدّ هذا العمل استيراداً أو محاولة استيراد بدون بيان، إلا أنه يعتبر تهريباً في حالة عدم التصريح عن البضاعة ومغادرة واسطة النقل الحرم الجمركي، الأمر الذي يعطي البعض فرصة للتلاعب فيدّعون في حال ضبطهم أنهم كانوا متجهين للتصريح بها، وهنا يوضح الحليبي أن القضاء في مثل هذه الحالات يستدعي الضابطة الجمركية لإلقاء القبض على الفاعل واستجواب الشهود أمام المحكمة، ومعرفة الملابسات في حال كان يشرع بالتهريب أو في حالة تصريح عن المواد.
وينوه الحليبي إلى ورود بعض الحالات يكون فيها المتهم متعاطياً للمخدرات ويحمل أثناء دخوله أو خروجه عبر الحدود مقداراً محدوداً من المادة المخدرة بقصد التعاطي، فيعامل معاملة المهرب الذي يدخل كميات كبيرة، وهو ما يفترض إعادة لحظه ليعاقب معاقبة متعاطٍ وليس مهرباً.