أنور الرحبي.. فنان التكوينات الصعبة
يستحق الفنان التشكيلي أنور الرحبي من مواليد دير الزور عام 1957أن يكون مكرماً فهو شارك بالعديد من المعارض المحلية والعربية وهو عضو لجنة تحكيم في العديد من الملتقيات والمسابقات، وله مساهمات في النقد التشكيلي، ودخلت بعض أعماله متاحف عربية وأجنبية، وقد احتفت به ندوة “ذاكرة وطن” التي أقيمت مؤخراً في ثقافي كفر سوسة وحملت عنوان “عن تجربة ومسيرة الفنان التشكيلي أنور الرحبي” ورافقها عرض فيلم عن مسيرته الفنية.
الفنان الجميل
الندوة التي تلونت بطابع من الحميمية والحب والاحترام للفنان الرحبي بدأها د. علي القيم بالقول: الرحبي فنان يستحق أن يكرم بكل معنى الكلمة، وتكريمه هو تكريم للجميع وهذا كله ما هو إلا شيء بسيط مما يستحق، فهو فنان نعتز ونفتخر به لأنه عاش بصدق وحيوية التحولات والتداعيات التي عشناها ونعيشها على الساحة الفنية السورية، مبيناً: لقد خبرته كفنان تشكيلي مبدع، وكإداري مجتهد محبوب من جميع من عمل معه، وهو فنان دائم البحث عن مكنونات الجمال فقد شكل عالمه الخاص، وكان بحق ذلك الفنان الجميل في الحركة الفنية السورية والعربية، تجمع لوحاته بين العفوية والرصانة والمتانة والتمرد على المألوف، وتلامس الأفكار والأحداث فنعيش معها حالة من الدهشة والأمل والإشراق، مشيراً: كانت ومازالت علاقة الرحبي وثيقة بين الذاكرة وحالة الوجد والعشق التي تعتريه، والمقام عنده تجسيد للحالة الزمانية والمكانية، يمكن القول أنه قضى حياته بالرسم وتعامل مع اللوحة كعاشق وكان دائم التألق يدقق بالتفاصيل لتشكيل اللوحة وفق سيمفونية اللون والعمل، ركز على المرأة والجزيرة السورية بكل ما فيها من حضارة وألق وتراث.
ورأى الناقد سعد القاسم أن أهم ما في تجربة الرحبي أنها بدأت مبكرة ومبشرة منذ البداية، وهو تأكيد بأن كلية الفنون الجميلة ليست المدخل الوحيد للإبداع فقد كان هناك عدد من المبدعين من خارجها وهم علموا أنفسهم عبر تجاربهم الذاتية وتفوقوا على الكثيرين ممن درسوا في الكلية، كما أنه بدأ بالرسوم الصحفية (الموتيفات) وهي ترافق المواضيع الصحفية، وهذا الفن واحد من أصعب الفنون على الرغم من بساطته الظاهرية لأنه يتطلب اختزال الفكرة، ثم طور من هذه البداية لوحته التشكيلية المتوازنة والثرية بألوانها وعناصرها فهو يعرف كيف يشتغل على المساحة والفراغ ومساحة اللون والخط، فلوحة أنور ليست لوحة الصدفة بل هي لوحة عقلانية ومقسمة لمجموعات ومستطيلات وكل جزء يعمل بمعزل عن الآخر وبتكامل معه، فالرحبي يتميز بقدرته على صنع الانسجام اللوني المترافق مع إمكانية الانتقال من عالم لوني إلى آخر، أما فيما يخص موضوع الرحبي فتأثير البادية عليه كامن في أعماق روحه الإبداعية، فهو لم يستنسخها بل يشعر المتلقي بالجذور الفراتية والمحلية ويراها ضمن رؤية إبداعية مجددة، ليخلص إلى القول: على الرغم من أن الرحبي فنان تعبيري إلا أنه ميال للواقعية وكان يحرص على أن ينصف العمل الفني حسب قيمته الفنية وليس من خلال موضوعه.
توجهات جمالية
وأوضح الناقد أديب مخزوم بأن الأداء التشكيلي الذي يجسده الفنان الرحبي في حالات التكوين والتلوين يبعدنا مسافات عن الإِشارات الواقعية المباشرة، ويدخلها في إطار الحالة الرمزية والتعبيرية بصياغة أسلوبية خاصة ومتنوعة في تقنياتها وتوجهاتها الجمالية، ففي لوحاته التي يقدمها في معارضه الخاصة والمشتركة منذ أكثر من أربعين عاماً يركز على إظهار تقنية الخطوط بطريقة مغايرة ويعمل على التشكيل الذي يستمد من اللون جمالية المساحات المتداخلة كذلك تظهر عناصر الطبيعة، مشيراً إلى ليونة خطوطه وحيوية حركتها وقوتها، فهو يستفيد من قدراته الخطية فيقوم بتشكيل العناصر ويجعلها تتكاثف في اللوحة الواحدة، كما وتتحول معه الحركات الإنسانية إلى حالات لحظية وسكونية، وهذا له علاقة بالجانب الروحي أو بالرمز الصوفي.
واعتبر مخزوم بأن الرحبي هو فنان التكوينات الصعبة التي يمكن أن تشكل منطلقاً لتكوينات وتشكيلات أكثر تبسيطاً واختصاراً، كما يمكن التماس عوالم الأحلام والرؤى الخيالية وإسقاطات دلالات القصة أو الحكاية، مؤكداً أن البحث عن فضاء تعبيري إنساني فتح لوحته على احتمالات تعبيرية تصل إلى حدود التعبير الانفعالي.
واعتبرت الإعلامية إلهام سلطان التي أدارت الندوة بأننا نحن من يكرم بوجود هكذا قامات كبيرة، وعلى اعتبار أن حياة الإنسان خطوات فإن أجمل هذه الخطوات وأكثرها بهاءً هي التي تكون في حضرة الإبداع وأحد رموز الثقافة التي تؤكد على عمق الحضارة السورية، مشيرة إلى أن هذه القامات خالدة ولا تموت، لافتة إلى أن الفيلم الذي تم تقديمه عن الرحبي قمت بإنجازه بمساعدة فريق متكامل مع العلم أن كل لوحة للرحبي تحتاج لحلقة وبرنامج كامل.
مازال بخير
ثم تحدث الفنان أنور الرحبي عن سعادته بهذا التكريم وأنه عندما يكرم في هذا الوطن فنان أشعر أن بلد المحبة والصدق مازال بخير، ووجه الشكر لكل من ساهم في هذه الخطوة الجميلة، مضيفاً: أنا لازلت أتعلم وأعرف القليل من الكثير، وعندما أكون بجلالة الأحمر أو الأخضر أقف مرتبكاً، ومازلت أعشق الألوان مثل الأطفال وأداعبها بحب وشغف.
لوردا فوزي