المحبة وعلبة الألوان
اكتسبت تجربة التشكيلي أنور الرحبي الطويلة خصوصية المثابرة والحضور البليغ سواء في أعماله التشكيلية ولوحاته ومعارضه أو في سيرته الشخصية والنقابية كأمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين، فضلا عن اهتماماته الإبداعية الأخرى من كتابات نقدية وصحفية مبكرة، إضافة إلى دوره الفني التربوي من خلال منظمة طلائع البعث الذي أكسبه لياقة اجتماعية وإنسانية كبيرة لباسها التواضع والتواصل مع الجميع, فقد عرف عنه رعايته وتبنيه العديد من التجارب الشابة والدفع بها نحو تطوير وتثقيف أدواتها.
في الندوة النقدية التكريمية غلب طابع الشكر والمجاملة وتقديم لغة المحبة والاعتراف بما قدمه هذا الفنان من عرض لمفاصل القيمة في هذه التجربة من خلال حلقة فيلم قصير للإعلامية إلهام سلطان، كما قدمت أوراق لكل من الناقد والإعلامي سعد القاسم والباحث علي القيم والناقد أديب مخزوم بحضور معاوني وزير الثقافة.
من المناسب ذكره في هذه المناسبة وسواها من هذه المناسبات أن نبتعد عن الخطابة والإنشاء وتقديم التذكارات والشهادات العاطفية والذهاب نحو القيمة الحقيقية، وحسبي أن أنور الرحبي يثق بهذا الاتجاه من الحوارات البناءة، ومن الجدارة بهذه التجربة توثيقها ودراستها دراسة عميقة، وسبر خصوصيتها وتأثيرها في عدد كبير من الفنانين السوريين، فهو لم يبخل في النصح والمشورة، إلا أن طغيان لوحته على مريديه وعجزهم التخلص من تجاوز أثرها جعلت منه نسخاً كثيرة وربما مشوهة لأصالة تجربته الممتدة من رسوم الموتيف واللوحة الحروفية وصولا إلى تصوير الحكاية وجعلها لوحة سردية قائمة على رصانة في التكوين وشجاعة في اللون وحرفية الخط الغرافيكي، حتى السيدة التي يرسمها الرحبي هي الأرض والوطن الخاصة بأنور الحالم والواثق بخطه وتوشيحاته وزخرفاته، استحضرها الفنان من بيئة خبرها وعايش جمالها متغنيا بها وجعل من مفرداتها مقامات لسيرة حياته الفنية وأغلق على نفسه باحثا مثقفا وصوفيا ينشد التوبة منها عله يشفى من عشق البلاد الأزلي، إنها مواجع الفنان الجميلة هي التي تستحق الدراسة والتنقيب عن منابع إبداعه الصافية.
أنور الرحبي فنان استثناء بكل ما تعنيه الكلمة وحسبي أنه ظلم ونظلمه حين نقوله له شكرا وكفى.
أكسم طلاع