الانفعال.. نقطة ضعف الذكاء الاصطناعي
ترجمة وإعداد: ليلى الصوّاف
يتساءل جاك بودرون، أستاذ التكنولوجيات الافتراضية في جامعة باريس، وجامعة باريس- ساكلاي: هل ستحول التطورات التكنولوجية الذكاء الاصطناعي الضعيف إلى قوي؟.. فلنغتنم الفرصة للرجوع إلى مبادىء الذكاء الاصطناعي وتخيل المستقبل.
إن أفضل تعريف للذكاء الاصطناعي هو لوغاريتمية تسمح للآلة باتخاذ القرار، لأن الذكاء الاصطناعي الضعيف المتوفر اليوم هو ذكاء رجل آلي لا يستطيع أخذ قرار إلا بعد البحث فيما أُدخِل فيه قبل ذلك، أما الذكاء الاصطناعي القوي فهو ما نرجوه للغد، إنه ذكاء الإنسان من خلال إدراكه وانفعاله.
الذكاء الاصطناعي الضعيف
تجدد الذكاء الاصطناعي الضعيف عام 2012 مع الكفاءات العالية للتعلّم العميق، وكانت نتائج الذكاء الاصطناعي الضعيف لا تصدّق، وضع اسم، في زمن قياسي، على وجوه التقطت صورها كاميرات المراقبة، تغيير فيديو ما بفضل حركات الوجه التي يقوم بها مشغِّل، والقدرة على تشغيل آلة دون أدنى تعب عارض.
تصف الآلة الوجوه التي تُعرض عليها: “امرأة شابة تلعب بالقرص الطائر في حديقة”، قد يبدو الذكاء الاصطناعي الضعيف قادراً على التلاعب بالمفاهيم، ولكن لا شيء من هذا بصحيح، تسمح القراءة المثابرة لملايين الصور بالتعرف على مركبة، أياً كان طرازها أو وضعيتها، ولكن يجب الانتباه: بالنسبة للإنسان، تشمل كلمة مركبة عربة المنجم، والسيارة العائلية، والعربة التي يجرها حيوان، في حين تنشىء الآلة رابطاً بسيطاً بين مجموعة من “البيكسل”، وسلسلة من الرموز، وبما أنها تحتوي على جميع النماذج وفي جميع الوضعيات، فهي لا تعرف سوى النبش في المكتبة، وتصبح عاجزة أمام تصوير جديد، تبحث الآلة عن مجموعة “البيكسل” التي تتناسب أكثر مع النموذج المعروض، ثم تقرّبها من مجموعة الرموز المعيارية المستخدمة لتبادل المعلومات: “امرأة”، “قرص”، “حديقة”.
يمكن لضجيج بسيط لا تسمعه الأذن البشرية، ولكنه يتضمن سلسلة مربوطة بشيء آخر، أن يخدع الميكانيك الجميل، وعليه سيختلف تأويل الآلة لجملة سمعها الإنسان في حال وجود ضجيج يتضمن إشارة صوتية محددة جداً تعلن عن رسالة مختلفة، ورغم ابتعادنا عن الأحلام التي تحركها كلمات مثل العصبونات الصناعية، تبقى نتائج الآلة عجيبة.
الذكاء الاصطناعي القوي
الذكاء الاصطناعي القوي هو ذكاء الإنسان، إنه يتميز بالإدراك، وهو قادر على الانفعال، ويمنحنا الأمل بآفاق جديدة، ويُشعرنا بالخوف من هيمنته على الإنسان، ومع ذلك، مازال هناك الكثير من العمل، يجب فهم الذكاء الإنساني قبل تشغيل الذكاء الاصطناعي القوي، من أين يأتي الانفعال، وإدراك الذات والمحيط؟ توجد هذه الصفات لدى الحيوان، ولكن من أين لنا السيطرة على الإنسان و”عصبوناته” المئة مليار ونحن لم نفهم بعد دودة صغيرة طولها ميليمتر واحد، وجهازها العصبي يتكون من ثلاثمئة خلية عصبية فقط؟.
منذ قرون والعلم يبحث عن الإدراك، لكن معرفة الموضوع لم تكتمل بعد، لن نرى في الغد القريب عبارة: “أنا أفكر إذاً أنا موجود”، تحل محل “مرحباً أيها العالم”، الجملة التقليدية المستخدمة لاختبار لغة برمجة، حتى وإن كنا نعرف حالياً أماكن تدفق المعلومات بين مناطق الدماغ المختلفة، وعلى عكس الذكاء الضعيف، يجعلنا الذكاء القوي نحلم، ولكن لا يلوح أمامنا أي طريق، بل نود لو أن نتائج الذكاء الضعيف الباهرة تحوله إلى ذكاء قوي.
الذكاء القوي وليد الذكاء الضعيف؟
تشكّل الذواكر والمعالجات أساس الذكاء الاصطناعي الضعيف، عند رسم مخطط الإنسان، يمكن استبدال “الذاكرة” بـ “الذكرى”، والـ “معالج” بـ “اتخاذ القرار”، والاختلاف كبير جداً.
بالنسبة للذكريات، يحدث الأمر بين التذكر والنسيان وإعادة البناء، عمل بليك أ. ريتشاردز وبول و، على توضيح هذه الآليات في مجلة نورون العلمية.
تقوم الذاكرة بترتيب ذكرياتها، ويحدث أن ننسى بسبب كثرة التفاصيل، أكثر من ذلك: يُعاد بناء الذكريات ويُعاد تشكيلها عند كل “وصول إلى الذاكرة” عبر إشراك الواقعي والخيالي وفق انفعالاتنا، يشبه الأمر اللعب بالمعجون نوعاً ما، إذ يُعاد تشكيل ذكرياتنا كلما اشتغلت ذاكرتنا.
لا تعرف الذاكرة الغارقة بفيض من التفاصيل، يسمى فرط التذكر، كيف تعالجها فتصبح غير قادرة على التعرف على وجه ما بمجرد أن تشوش الرؤيا تباعدات بالكاد تذكر، ولا تعرف كيف تعالج المعلومات كي تكوِّن حكماً، ولهذا يحتاج الإنسان ذاكرة غير كاملة ترتكب الأخطاء على النقيض مما يمكن أن تقدمه ذاكرة الكترونية.
الانفعال والقرار
نعتبر اليوم أن الانفعال يلعب دوراً كبيراً في اتخاذ القرارات، وهذا ما تشير إليه أعمال توماس بارو في المركز الوطني للأبحاث العلمية، أو كتابي النظام 1، النظام 2 لدانييل كاهنمان الحائز على جائزة نوبل، ربما لأن الانفعال يوفر سرعة التنفيذ، وبالتالي النجاة من مفترس يقوم على أحاسيس بنتها التجربة.
كان ديكارت يعتبر أن القرار الجيد يُتخذ دون انفعال، وهو ما أثبتت خطأه الدراسات الحالية، هل يمكن للآلة أن تتضمن الانفعال؟.
اهتم روجيه بنروز (ظلال العقل: العقل، والحاسوب، وقوانين الفيزياء) بقدرة الحاسوب على إدماج الوعي في منطقه، بالنسبة له، لا شك بأن الانفعال ليس قابلاً لإذابته في لوغاريتميات، حتى وإن كانت أعماله حول الرابط مع الميكانيك، الكمية كانت موضع نقاش.
يُدخل الإنسان الانفعالات في اتخاذ قراراته، وهذا أمر لا يمكن للمعالجات الالكترونية القيام به، لذلك تتكون الهندسة الالكترونية لآلات الذكاء الاصطناعي الضعيف من ذاكرة ومعالج تحديداً، أما ذاكرة الذكاء الاصطناعي القوي فمصنوعة من الذكريات، ومعالجها هو الانفعالات.
دون الانفعال لا يمكن للذكاء الاصطناعي الضعيف تجاوز الذكاء الاصطناعي القوي، يرى “ألان تيرينغ” أن نظاماً كهربائياً مبنياً لا يستطيع تقديم انفعالات، وحتى إن زُود بحاسبات كمية سيبقى المنطق الالكتروني متعاكساً بشكل أساسي مع المنطق الانفعالي.