متوقعة ومفتعلة..!
نستنتج من التصريحات الأخيرة للجهات المعنية أن أزمة الغاز لم تكن مفاجئة لأحد من المسؤولين عن تعبئة المادة وتوزيعها، بل كانت أكثر من متوقعة..! لم يكن السبب زيادة استهلاك الغاز في الشتاء، فهذه الزيادة متوقعة وتتكرر في فصل البرد، وتستعد لها الجهات المنتجة قدر استطاعتها..!
كما لم يكن سبب اندلاع أزمة الغاز احتكار تجار السوق السوداء للمادة، فهؤلاء جاهزون للاستثمار في الأزمات، وبالتالي فإن الخلل كان في آليات الرقابة التي لم تمنعهم من زيادة حدة الأزمة..! باختصار سبب الأزمة هو قلة العرض لا زيادة الطلب..! وعندما يقل العرض في أية مادة تنتعش السوق السوداء، وينشط تجار الأزمات سواء في المحروقات أم غيرها من السلع الأساسية للحياة اليومية..!
بدأت أزمة الغاز بحدة مع تراجع تدفق الأسطوانات إلى الأسواق، ولنأخذ مدينة دمشق كمثال التي وصلت إليها الأزمة متأخرة عدة أسابيع مقارنة بمحافظات أخرى..!
حسب تصريح مدير فرع الغاز في دمشق فإن حاجة المدينة لا تقل يومياً عن 18 ألف أسطوانة، فهل كان يصل لأحياء دمشق ومناطقها المختلفة ما يفيض عن حاجتها كي نبرر اتهام معتمدي التوزيع أنهم من تسبّب بالأزمة..؟
كان يصل لدمشق ما بين 6 آلاف وعشرة آلاف أسطوانة يومياً فقط حسب تصريح مدير فرع الغاز، أي بنسبة تراوح ما بين 34% و55% فقط..!
وهذا النقص اليومي بهذه النسب المرتفعة قد لا يظهر أثره لو اقتصر على بضعة أيام، لكنه سيتفاقم يوماً بعد يوم ليشكل أزمة حادة يحتاج تجاوزها عدة أسابيع، أليس هذا ما حصل ويحصل حالياً..؟ ترى ما السبب الذي حال دون تزويد دمشق بما يفيض عن حاجتها من أسطوانات الغاز..؟
فرع دمشق لديه الإمكانات الفنية لتعبئة 80 ألف أسطوانة يومياً، أي أكثر من حاجة المدينة بـ60 ألف أسطوانة يُمكن أن ترسل للمحافظات الأخرى التي تعاني من أزمة، ولكنه لم يفعلها ولم يقم بتعبئة أكثر من عشرة آلاف اٍسطوانة يومياً في أحسن الأيام، فلماذا..؟!
هو لم يفعلها كما لم تفعلها فروع الغاز في المحافظات الأخرى؛ لأن مادة الغاز السائل لم تكن متوفرة..! ترى لماذا لم تكن المادة متوفرة..؟ هل السبب العقوبات التي عرقلت وصول البواخر إلى الموانئ السورية، أم السبب خلافات بين الموردين ووزارة النفط، أم هو صراع بين الموردين على اقتسام المغانم..؟
لنتذكر بأن مصرف سورية المركزي سبق واتهم علانية في عام 2015 بضعة مستوردين للمازوت من لبنان بموافقات من وزارة الاقتصاد بأنهم ربحوا مليارات خلال بضعة أسابيع لمخالفتهم التسعيرة دون أن يسددوا ما عليهم من ضرائب لخزينة الدولة، وتسببوا بتراجع حاد في تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار..!
ترى ما مقدار الأرباح التي “شفطها” الموردون بسبب افتعالهم لأزمة الغاز المستمرة منذ شهرين..؟
علي عبود