السياسات “الضبابية” للاقتصاد السوري بين يديّ الخبراء قانون التكليف الضريبي جاهز للنقاش.. وأرقام غير مبشرة لواقع غير مفهوم
دمشق – ريم ربيع
ليس خافياً أننا دخلنا مرحلة جديدة من التحديات الاقتصادية أكثر خطورة وحساسية مما مرت به سورية خلال سنوات الأزمة مجتمعة، فالحرب الاقتصادية المقبلة أشد وطأة مما سبقها، ولا يمكن لسياسات عشوائية وقرارات ارتجالية معالجتها دون دراسة عميقة ومفصلة، بل يستدعي الأمر تكثيف جهود “أبناء الكار” تحديداً واستدعاء كافة الخبرات لوضع النقاط الأساسية وتوصيف حالة الاقتصاد السوري ومعالجتها، ونظراً لدور الطبقة العاملة في تصويب الخيارات والإشارة لمكامن الخلل أقام المرصد العمالي للدراسات والبحوث ورشة عمل بعنوان “السياسات المالية في سورية – الواقع والخيارات الممكنة” افتتح فيها رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري حديثه بالإشارة إلى القصور الكبير للسياسة المالية في سورية، وضرورة إعادة النظر بها جذرياً بحيث تخضع للعدالة والشفافية، إلى جانب معالجة الأخطاء البنيوية للاقتصاد السوري عبر إيجاد صيغة نظام ضريبي عادل في الوقت الذي يساهم فيه أصحاب الدخل المحدود بـ75% من الضرائب المباشرة، بينما لا تتجاوز استفادتهم من الدخل القومي نسبة الـ25%.
تحديد الأولويات
الأمر ذاته استحوذ على اهتمام وزير المالية د.مأمون حمدان حين أكد أن قانون النظام الضريبي شبه جاهز في الوزارة بانتظار صدوره للمشاركة والنقاش، إذ يقوم على فرض ضريبة على المبيعات بالدرجة الأولى باستخدام أساليب الدفع الإلكتروني، لافتاً في الوقت ذاته إلى إنجاز قانون البيوع الضريبية ومناقشة قانون الجمارك في مجلس الشعب. واستعرض حمدان مطولاً أولويات الحكومة في الموازنة وتحديدها من خلال توجيه الإنفاق للتخفيف من وطأة الحصار وتوفير الخدمات الأساسية بالاعتماد على الذات بعد تأثر المواد الأولية والاضطرار لاستيرادها. وضمن أولويات المرحلة المقبلة أشار حمدان إلى وضع خطة شاملة لإعادة الإعمار والمضي بالإصلاح الإداري، ومواجهة الفساد المؤسساتي والفردي بشقيه الإداري والمالي، والعمل لإنجاز برنامج تنموي لما بعد الحرب، وتكثيف الجهود في البحث والتنقيب عن النفط، إضافة إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وخلال حديثه عن واقع النظام الضريبي في سورية شدد حمدان على إعادة النظر فيه بالكامل، والتركيز على الوعي الضريبي “المفقود”، في ظل استحالة استمرار العمل وفق الضرائب النوعية لما لها من ثغرات كبيرة، ما استدعى رئيس الاتحاد لإعادة التدخل والإشارة إلى انعدام الثقة بين المكلف والإدارة الضريبية، مستغرباً حالة التسارع في إصدار القوانين والتشريعات بينما المسألة تكمن في الإجراءات. وتساءل القادري عن سبب وجود دوريات الجمارك ضمن بعض الطرق فيما تفتقدها الحدود، بالإضافة إلى الأسلوب “الاستخباراتي غير المنطقي” المتبع من قبل إدارة الاستعلام الضريبي، غير أن وزير المالية سارع للتأكيد على محاسبة دوريات الجمارك الموجودة على الأتوسترادات وإلزامها بالبقاء عند الحدود والخطوط المحددة لها، ومحاسبة أية ضابطة تضبط في الداخل.
غير مبشرة
وعلى طاولة الخبراء والأساتذة المختصين بالشأن الاقتصادي حضرت الأرقام “بكثافة” وجرت مناقشة تفصيلية للواقع الاقتصادي “الضبابي” وفقاً للبيانات غير المبشرة، حيث استبعدت د.رشا سيروب إمكانية الحديث عن أية شفافية بغياب الأرقام الإحصائية، موضحة أنه رغم التغيرات الكبيرة بعد الحرب بقيت النسب الاستثمارية ذاتها؛ ما يعطي دلالة أن الإنفاق الحكومي لم يرتبط بالمتغيرات على أرض الواقع، ورغم الحديث أن القسم الأكبر من الإنفاق الجاري هي مخصصات كتلة الرواتب والأجور تظهر الأرقام أن هذه النسبة كانت الأقل في 2019 حيث انخفضت إلى 17%، كما بلغت نسبة مساهمة الدولة في تثبيت الأسعار 29%، وخلال السنوات الثلاث الماضية كانت إيرادات الفروقات السعرية أعلى من الدعم الاجتماعي، وبذلك فإن الدعم فعلياً ممول من قبل المواطن، مما يضعنا أمام تساؤل حول اعتماد الحكومة على التضخم لتمويل الموازنات العامة..؟ وكيف يمكن تدوير عجلة الإنتاج دون زيادة الإنفاق الاستثماري، فأعلى نسبة مخصصات لها لم تتجاوز الـ5%، وفي توضيحها لمن يمول الموازنة بينت سيروب أن القطاع العام يمول 50%، والأفراد 46%، وقطاع الأعمال 2% فقط..!
غياب العدالة
ولم يختلف رأي د.إبراهيم العدي عمن سبقه بما يخص النظام الضريبي الذي عفا عليه الزمن حسب تعبيره، ففي الوقت الحالي يدفع التاجر الضريبة التي يريدها؛ مما أوجد حالة من عدم الثقة بين المكلفين والدوائر المالية، وفي تعليقه على عدم عدالة التوزيع قال العدي: “أنا أدفع 196 ألف ليرة ضريبة عن راتبي في جامعة دمشق.!”. وأضاف أن القانون الضريبي لأصحاب الدخل غير المحدود عدل 15 مرة لصالحهم، بينما عدل مرة واحدة لأصحاب الدخل المحدود ورفع من 12% لـ20%.
وقدم العدي مجموعة من المقترحات تتمثل بإلغاء الضرائب النوعية، وأن تكون ضريبة الدخل نسبية على الشركات وتصاعدية على الأفراد، وفرض ضريبة على الثروة، والأخذ بمبدأ التشخيص الضريبي، وإحداث مراكز دراسات ضريبية ومالية وتحديث الإدارة المالية والقضاء على المحسوبيات في توزيع مراقبي الدخل، بالإضافة لضرورة وجود سياسة واضحة للحكومة والتخلص من سياسة كل وزير، وإصدار تشريعات عصرية، والتخلص من سرية المعلومات، مؤكداً على ضرورة إيجاد تشريع ضريبي خاص بأثرياء الأزمة.
ضغط
من جهته د.علي كنعان رأى أننا غير مكترثين بأهداف السياسة المالية رغم أهميتها، مشيراً أنه قبل 2010 وصلت سورية إلى حالة ركود تضخمي، وهو مرض “الأكابر” في الدول المتقدمة، وفي التفاصيل بين كنعان أنه في مرحلة الأزمة تراجع حجم الضرائب من 12% إلى 6.5%، كما ازداد التهرب الضريبي وتراجع حجم الإنتاج وارتفع حجم الإعانات، كما ازداد عجز الموازنة إلى ترليون ليرة آخر ثلاث سنوات، بسبب تراجع التحصيلات الضريبية، وزيادة حجم الإنفاق فتم تمويل العجز من القروض من البنك المركزي بما يتجاوز 5 ترليونات ليرة؛ مما ضغط على سعر صرف الليرة، مقترحاً أن تكون مصادر التمويل الجديدة علنية.
إعادة نظر
وفصل د.أكرم حوراني في لغة الأرقام، حيث بيّن تراجع الإنفاق الاستثماري من 30% في 2011 إلى 25% في 2017، وارتفاع متوسط الفقر عند 1.5 دولار للفرد من 28% لـ80%، وارتفاع نسبة الدعم الاجتماعي من 86 مليار ليرة إلى 870 مليار ليرة، ليصل إلى 1234 مليار ليرة في 2019، وبعد إغراقه في التفاصيل أكد حوراني على لحظ تكليف ممارسي اقتصاد الظل المشكلين 50% من الناتج، وإعادة النظر بالإعفاءات والتنسيق مع البنك المركزي لتمويل عجز الموازنة، متسائلاً لماذا لا تجرب وزارة المالية أن تمول العجز من خلال الاقتراض الداخلي مع عدم اللجوء إلى الإصدار النقدي، كي لا يرتفع الدين العام الذي وصل لمعدلات كبيرة..؟