تحقيقاتصحيفة البعث

فؤوس الحاجة والحرائق المتلاحقة تقضم 25 بالمئة من الغطاء الأخضر في محمية “أبو قبيس”

 

تشكّل محمية “أبو قبيس”، 65 كيلومتراً غرب مدينة حماة، واحدة من أهم المحميات الطبيعية لدينا حالياً، وهي ذات نسق جبلي متميز بطبوغرافيا فريدة، والسفر إليها بمثابة رحلة جميلة، وبخاصة إن أتيحت لك مشاهدة الغزلان، والأرانب، والذئاب، والضباع.
وما يميز هذه المحمية أيضاً تنوع أشجارها المتعددة، وطيورها النادرة، فضلاً عن إحاطتها بأجمل قلعة أثرية هي قلعة “أبو قبيس”، حيث تستلقي على أعلى المرتفعات الغربية في محافظة حماة، وتشرف على سهل الغاب، وكذلك على مدينة أفاميا الأثرية، وقلعة المضيق أيضاً، وتقدر مساحتها بـ 3700 هكتار، وقد تم تصنيفها كمحمية نظراً لتوافر كل المكونات الطبيعية والحيوية والبيئية، وتنوع مناخها، وتدرج غاباتها وجبالها، علاوة على كثافتها النباتية.
لكن الخبر غير السعيد الذي نقله لنا مدير المحمية المهندس ياسر نصور يتمثّل بأن المحمية فقدت أكثر من 25 بالمئة من غطائها الأخضر جراء الاحتطاب الجائر حيناً، والحرائق المتلاحقة حيناً آخر، وبخاصة تلك التي طالت أشجارها المعمرة، الأمر الذي أفقد بعض مساحاتها الغطاء النباتي بشكل قريب من التعرية، فكيف هو الآن واقع المحمية؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها وزارة الزراعة؟ وهل تبقى محمياتنا في مأمن عن المزيد من الاحتطاب الجائر؟ وكيف ستتم إعادة ترقيع ما تم التطاول عليه؟.
25 بالمئة خسائر
يقول مدير المحمية المهندس ياسر نصور : إن أجمل ما يميز المحمية هو تعدد وتنوع محتواها وتضاريسها وجغرافيتها من منخفض إلى مكان مرتفع، إلى قمة الجبال، ثم الهبوط إلى الوديان ضمن سلسلة جبلية غنية بكل الكائنات الحية، مضيفاً بأن المحمية يسودها مناخ معتدل، بارد شتاء، ولطيف جداً صيفاً، وهي بمثابة شاهد حي على ما كانت عليه البيئة السورية الجميلة، حيث تدل الشواهد الجغرافية على انحداراتها من سلالة الغابات، كما توجد فيها مواقع بكر لم تطأها قدم حتى الآن.
وعن الكائنات الحية الموجودة فيها أوضح نصور بأن الدراسات البيئية العلمية رصدت وجود مئات الأنواع من النباتات، منها ما هو نادر، ومنها ما هو موجود في مواقع أخرى، وكل أنواع الزنبقيات، والأشجار المثمرة المعمرة مثل المراب البري المشابه للأجاص، والزعرور، والبطم، والبلوط المثمر، والقطلب، في حين هناك أنواع قد تكون مهددة بالانقراض جراء الحرائق التي طالت بعض مواقع المحمية طيلة فترة الأزمة.

موائل للطيور
في الكراس الذي زودتنا به الهيئة العامة لإدارة تطوير الغاب، يشير إلى أن المحمية تشكّل موئلاً للطيور المهاجرة والمقيمة والزائرة والعابرة النادرة صيفاً وشتاء، وتعتبر المكان الأكثر أمناً وأماناً لتلك الطيور بعيداً عن أعين وترقب الصيادين.
كما لاحظ الدارسون البيئيون أن هناك طيوراً لم تكن موجودة قبل إحداث المحمية، ووضعها تحت المراقبة والإشراف، ولكن بعد حمايتها استوطن فيها العديد من الطيور كالهدهد، والبلابل، والصقور، والباشق، ودجاجة السلطان المزركشة، والحمام البري، والدرغل، والحجل.

ملاذات آمنة
تؤوي المحمية الطبيعية بـ “أبو قبيس” العديد من الأحياء البرية، إذ تتوافر فيها عناصر الاستقرار الهامة كالغذاء، والحماية، في الوقت الذي تفتقد إلى أهم عنصر وهو غياب المسطحات المائية أو البرك، وهذا ما يجعل الكثير من الطيور والحيوانات البرية عرضة للطلق الناري، ووقوعها في كمائن الصيادين أثناء خروجها من وسط المحمية بحثاً عن المصادر المائية.
في المقابل قال مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس أوفى وسوف بأن المتأمل لتضاريس المحمية يجدها مليئة بالحفر الصخرية، ما يؤكد احتمال وجود برك مائية وسط هذه الحفر الصخرية في الوقت ذاته تشكّل بعضها ملاجىء آمنة لاستقرار هذه الأحياء وتكاثرها.
وأضاف: يوجد في الغابة الضباع، والثعالب، والخنازير، والغزلان، والذئاب، والنمس الأبيض، والقنفذ الأسود ذو الأشواك الطويلة، والوشق، والسلاحف، والثعابين الكبيرة جداً.

كيف خسرت المحمية قوامها؟
مدير المحمية والمشرف العام عليها يجيب عن تساؤلنا:لقد تعرّّضت الأشجار الموجودة في المحمية كما تعرّضت كل الغابات السورية للاحتطاب الجائر، في الوقت الذي يبرره العامة بأنه جاء تحت وطأة الحاجة للتدفئة، ولكن أياً يكن السبب لا يجوز الاعتداء على المحميات، فقد تم تنظيم مئات الضبوط بحق من اقتطع أو تاجر بالحطب طيلة فترة الأزمة، ولا أحد يستطيع أن ينكر بأنها لم تفقد بعضاً من مواقعها، حيث تحول إلى شبه تصحر جراء فقدان الغطاء الأخضر.
ويشير مدير عام هيئة تطوير الغاب إلى أن الرعي الجائر، وكذلك الاحتطاب، والحرائق، كلها عوامل تؤدي بشكل أو بآخر إلى تناقص قدرة هذه الأشجار على النمو، وكذلك قدرة العودة بسرعة، حيث هناك شجيرات نموها بطيء جداً يحتاج لسنين ريثما يبلغ طول نموه عدة سنتمترات، وبخاصة في السنين الجافة، فضلاً عن أن هذه العوامل تذهب بكثير من مكونات المحمية، وأي موقع حراجي، أو غابات، وهذا التدهور يقلل من العائد الاقتصادي للغابات والمراعي في حال كان الرعي بها مسموحاً خشية وقوع الحرائق جراء العبث.
وحول وجود تحديث لبيانات المحمية بين عام وآخر لجهة التنوع البيولوجي البري والنظم البيئية، قال مدير المحمية نصور: نقوم كلما شعرنا بأن هناك حاجة لعملية المسح البيولوجي في المحمية لمعرفة كل ما هو جديد انطلاقاً من أن عملية المسح تساهم في تكوين قاعدة رئيسية للبيانات، وخطوة أولية نحو تقنية عملية الرصد طويلة الأجل، وفي جميع الفصول، ما يمكننا من تقييم الوضع بشكل دائم ودقيق، كما أن النشاطات البشرية المتعددة كثيراً ما تربكنا لجهة عملية المسح هذه.

بحاجة ماسة
محمية “أبو قبيس” تشكّل مقصداً للتمتع بالهدوء وراحة البال لجمالها ومكانها المحبب لهواة الطبيعة، ومركزاً للسياحة العلمية والبحثية، لكنها من وجهة نظرنا مازالت بحاجة ماسة إلى الكثير من الاهتمام والرعاية، ولا يكفي إطلاق التسمية على أي موقع بالمحمية ما لم تتوافر فيه كل مقومات المحمية، ويأتي في مقدمتها الحفاظ عليها، وتقليم أشجارها، وتربيتها، ومساءلة العابثين في شؤونها الحراجية كالاحتطاب الجائر، تضاف إلى ذلك المحاولات المستمرة لإعادة ترقيع وغرس المساحات التي تحولت إلى مواقع متصحرة.

محمد فرحة