الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

.. وبقيت الذاكرة!!

 

 

سلوى عباس
يراودني الحلم القديم فأحس للحظة أنك معي.. أراك أنىّ التفت، وألمسك كيفما تحركت.. أتخيل أننا في طريق يسكب المطر عطره علينا معاً.. نتراكض بين رصيف وآخر، نتقافز هاربين من قطرات تلاحق عدونا، نلتجئ إلى بوابة أو مظلة أو دكان.. أضحك فيما أنت تجفف ما فيّ من بلل، ثم تمسك بيدي لنعدو من جديد في طرقات تكاد تخلو إلا من وقع خطانا على الماء، وموسيقا انهمار المطر الدافئ على الإسفلت وأسقف السيارات المتلامعة..
كم أتوق لوقع حروفك في قلبي، وكم أحن أن ألمّك فيّ فلا يبقى بيننا من الكلام شيء ونترك لقلوبنا أن تتلامس وتفضي لبعضها ما عجزنا عنه، وكم أرسم لحظة لقياك، وكيف سأطير بك إلى فسحة من جنان نترك لروحينا أن تحلق فيها وترعى عشب المودة، وأمد يدي أغلق ستار الزمن وأسوّر بضلوعي رحب المكان، وأحبك بكل ما أستطيع.
التقينا هناك.. في فردوسنا الذي زيّناه بورود أحلامنا، والبنفسج البهيج في أول قطافه يحضر في مزهرية الوجد ضيفاً على شرف الحب.. البنفسج الذي كان يميل حانياً على وجع قلوبنا ونحن نرتب لحظات فراقنا.. لم ندر كيف في غفلة منا امتدت ألوانه لتحتل مساحة أرواحنا.. ويختبئ بحزنه البهيج في تلافيف ذاكرتنا يوثق لحظات نزفنا.. لم أكن يومها أنا، ولم أكن كما يفترض أن أكون، لم أكن أعرف من أنا في هذا الركام من التعب، ولم أستطع التعرف على ذاتي.. لم أتذكر حينها إن كنت تلك الطفلة أم الجدائل الطويلة وشرائط العيد الملونة.. أم تلك الصبية الحالمة في أول تشكل قمرها حيث قررت أن تكبر لترضيك، ولم تفلح لا بإرضائك ولا بإرضاء نفسها.. كنت على مفترق الحيرة لا أدري في أي مكان أقف، أضعت ملامحي منذ أحببتك وأصبح كل تفكيري واهتمامي بك، أصبحت أتكلف وأتصنع لأعجبك دون أن أعلن ذلك للملأ، صرت أهرب منك إليك، بت أتعب لترتاح، كان يجب لاستمرار أحدنا أن يغيب الآخر، فحتى تكبر أنت يجب أن أبتعد أنا، أن أرحل، أن أغيب لتظل أنت بكامل نشاطك وألقك، عليّ أن أرحل إليّ أنا التي كنتها فهي تطالبني بالعودة.. اشتقت لها.. اشتقت لذاتي.. اشتقت لروحي التي هجرتها أو هجرتني.. هل قلت لك كم كنت تعجبني؟ هل أخبرتك كم أحببتك؟ هل قلت لك في لحظة جنون كم آلمني ما حدث بيننا.. هل اعترفت لك كيف تمحورت حياتي كلها حولك؟ هل قلت لك كم كنت قادراً على إعادة تكويني كما ترغب وتريد؟. أعتقد أني قلت كل ذلك وأكثر..
اليوم اتخذت قرار العودة في اتجاهي.. لن أحاول أن أعرف كم خسرت أو كم ربحت، فأنا لا أحسن عمليات الجمع والطرح. أعرف فقط أنه ما دمنا نقدر على الحب فنحن الرابحين.. أنا لا أستطيع أن أكون إلا أنا.. لا يمكنني الضحك لحظة البكاء، لكنني عندما ينتابني الفرح قد أضحك حتى البكاء، لأنه وحده الصادق وعنده تجتمع مفارقات حياتنا وأضدادها، ولكم تمنيت لو تعلمتَ أن تبكي معي، أغادرك الآن.. أغادر نفسي، وسؤالك الحزين يقض ذاكرتي إذا بقي شيء؟ والآن أجيبك بكل حسرة.. نعم بقيت الذاكرة.