صحيفة البعثمحليات

في حرمة المقدرات

 

قد يكون “العيب” الاجتماعي دافعاً لعدم إجهار المتورطين بالنوايا والسلوكيات المشبوهة التي أفرزتها وأنتجتها سنوات الحرب على مبدأ “فاستتروا”، إلا أن استعراض البعض وتبجحهم بممارساتهم الفاسدة لتصل إلى مستوى المفاخرة بالارتكابات التي يكرسها ضعاف النفوس ممن امتهنوا المتاجرة بالأحداث وركبوا موجة الرزق الحرام، لم يعد فعلاً مخبأ خلف جدران المجالس الضيقة، وفي همسات سكان الحي ورفاق العمل ونظرات الشارع!
ففي استحقاقات إصلاح الأمم والشعوب ثمة نصوص ودساتير وقوانين ترسم خطوات الإنجاز الأخلاقي، وهذا ما يعتقده استغلاليو الفرص وانتهازيو الأزمات مطية ونافذة للعب من تحت الطاولة تحت ذريعة أن المشرع مسترخٍ والرقيب منشغل والأجهزة مستنفرة في أولويات استتباب الأمن والاستقرار وترتيب الأوراق السياسية المبعثرة..!
الحقيقة التي لا يمكن حجبها هنا بإصبع التجميل والمرآة أن للنفوس السيئة في هذه الظروف بيئتها الخصبة التي ترتع وتلعب بلبوس قد يحمل ألوان الوطنية أحياناً وموالاة الدولة في حين آخر، لتغدو الجريمة في هذا المحراب مضاعفة، لا بل أخطر في التقييم الاجتماعي والثقافي قبل القانوني، في وقت يسلم الرأي العام بأن من يسلك الفساد والسرقة واختلاس المال الخاص والعام وممارسة المشينات الجنائية والجنحية لا يختلف كثيراً عمن انغمس بالإرهاب، ولو حاول الكثيرون خلق تبريرات وتكديس تحليلات وفصل القضايا عن بعضها عبر أعذار دائماً ما تكون “أقبح من الذنب نفسه”.؟
قد لا يكون من الحكمة في زمن استطاعت الدولة ومؤسساتها ومعها معظم الشرائح الاجتماعية والأهلية أن تحدث خرقاً في القدرة على المقاومة والمواجهة الماراثونية لأوسخ الحروب ضدها، أن نبحث في الغسيل غير النظيف وندور في فراغ نصف الكأس، ولكن ثمة ما يحز في نفوس الغيورين يتعلق بالتسابق المعيب لاصطياد الفرص التشبه بالنماذج الهدامة والمارقة على القانون باستخدام أسوأ موروث يتداولة دعاة تخريب البنية الاجتماعية والمؤسساتية وشعاره الملعون “حلال على الشاطر”…
في سياق ما نحن بصدده.. ثمة من يجزم بأن نسب الفساد الإداري والاقتصادي ارتفعت في المؤسسات.. وهناك من يحلل بيانات وأرقام قد لا تكون حقيقية حول ضياع أموال واختلاسات جلها غير منسوب ولا موثق.. وهناك من يصل بعيداً في توجيه التهم والكيل وتبني حجوم من التجاوزات..
كلها استنباطات قد لا ترتقي إلى المستوى الذي يرمي إليه الفاعلون والناشطون في ميدان “تلويث سمعة الدولة ومواطنيها”، ولكن لا يمكن إغفال أن هناك فساداً ما في مكان ما.. وسرقات ما في حيز ما.. و ممارسات ما في زمان ما.. بعضها مخفي بسواتر قانونية وبأغطية “مرجعية”.. وبعضها معلن ومفضوح بلا وازع أخلاقي وأدبي جاءت السنوات الساخنة لتزيد من فيروس عدواه.. وتجعل المقدرات عرضة لانتهاكات أمراء الحروب وتجار الأزمات؟!
علي بلال قاسم