انقلاب محكوم بالفشل
محاولة الانقلاب التي قام بها رئيس البرلمان الفنزويلي، خوان غوايدو، بدعم ومباركة الإدارة الأمريكية جوبهت بصمت قاتل من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، البرتغالي أنطونيو غوتيريس، الذي يعاني من نفس ميزة “القلق” التي يعاني منها زملاؤه، وجل ما قام به المتحدّث باسمه أنه دعا إلى مفاوضات سياسية شاملة وموثوق بها، متناسياً أن هذه المفاوضات قد أجريت بنجاح من قبل خوسيه ثاباتيرو في المباحثات التي جرت في سانتو دومينغو، عندما انسحب ممثلو المعارضة الفنزويلية من طاولة المفاوضات تاركين الإسباني وقلمه بيده بعدما تلقوا أوامر من البيت البيض بوقف عملية التفاوض فوراً.
أما الآن فستواجه محاولة الانقلاب، التي قام بها القتلة بضمانات إعلامية، العديد من الصعوبات. وهذه ليست هي المرة الأولى في تاريخ فنزويلا الحديث التي يعترف فيها البيت الأبيض برئيس دمية، على شاكلة بيدرو كارمونا، في 11 نيسان 2002، الذي لم يكد يحتفظ بالسلطة 47 ساعة ليجد نفسه في السجن، فهل ستكون مختلفة هذه المرة؟ من الصعب التكهن، قد يلجأ “غوايدو” إلى سفارة صديقة في كراكاس، ومن هناك يطلق تصريحات حول الوضع، وتؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة. على سبيل المثال، أن يستقر في مدينة حدودية مع كولومبيا، ومن هناك، بمباركة ترامب، تعلن منظمة الدول الأمريكية والمستعمرات الجديدة في أمريكا اللاتينية جمهورية جديدة تحميها “القوات شبه العسكرية” الكولومبية وحكومة دوكيو وأوريبي وشركاؤهم في صناعة المخدرات، ومن ثم يطالبون باعتراف دولي من قبل منظمة الدول الأمريكية والأمم المتحدة.
إن هذا السيناريو يؤكّد للمرة الألف أنه إذا كان هناك شيء لا يريده الامبرياليون ولا اليمين الفنزويلي، فهو الحوار واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية، ومن الواضح أنهم يسعون إلى المواجهة من خلال تطبيق النموذج الليبي أو الأوكراني، المتشابهين من حيث آلاف القتلى ومئات الآلاف من اللاجئين في هذين البلدين. لكن لن تكون الأمور سهلة بالنسبة للمعتدين على السلطة الرئاسية، فقاعدة تشافيز متينة، وكذلك الأمر بالنسبة للقوات المسلحة البوليفارية، وأي حل عسكري سيتطلّب إرسال قوات أمريكية غير شعبية إلى فنزويلا، في الوقت الذي يعمل فيه مجلس النواب الأمريكي على إخضاع ترامب للعزل. وإذا كان الجنود البالغ عددهم 26.000 الذي أرسلوا إلى بنما في كانون الأول 1989 لاعتقال نورييغا والسيطرة على عاصمتها، فكان عليهم القتال لمدة أسبوعين لتحقيق هدفهم، في مواجهة أشخاص لا حول لهم ولا قوة وقوات مسلحة ضعيفة، فإن الخيار العسكري قد يعني، في حالة فنزويلا خطراً كبيراً كحرب فيتنام، مع مكافأة إضافية تتمثّل في زعزعة استقرار الوضع العسكري في كولومبيا وتزايد العصابات المسلحة.
وهنا يتساءل مراقبون، هل لدى الولايات المتحدة القدرة على تحميل ناقلة بحرية تهبط على الساحل الفنزويلي الذي ترابط فيه قوات كاراكاس المسلحة على الحدود الكولومبية؟. حقيقةً يبدو الوضع في فنزويلا أكثر تعقيداً، لأنه على الجانب الآخر من الحدود في كولومبيا، تقوم قوات خاصة من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، الحاضرة بقوة في هذا البلد، بإعداد سيناريوهات مختلفة للتدخل العسكري بما في ذلك دعم التمرد المدعوم أمريكياً.
ما هو مؤكد أن الانقلاب في فنزويلا محكوم بالفشل، بفضل دعم أغلبية الشعب الفنزويلي للرئيس مادورو، ووقوف محور مقاومة الهيمنة إلى جانب فنزويلا.
هيفاء علي